خلال محاكمة قتلة المفكر الراحل الدكتور «فرج فودة» وقف الشيخ «محمد الغزالى» أمام هيئة المحكمة وأدلى بشهادته الدموية، وقال إن «فودة» فى حكم المرتد، والمرتد مهدور الدم، وولىّ الأمر هو المسئول عن تطبيق الحد، وأفتى بجواز «أن يقوم أفراد الأمة بإقامة الحدود عند تعطيلها.. وإن كان هذا افتئاتاً على حق السلطة ولكن ليس عليهم عقوبة».
قدّم «فرج فودة» حياته ثمناً لأفكاره التى طرحها فى كتبه، وخلال المناظرة الشهيرة التى عُقدت فى معرض القاهرة الدولى للكتاب يناير 1992 تحت عنوان: «مصر بين الدولة الدينية والدولة المدنية».
هل مازلتم تعتقدون أن الثورة الفكرية والاجتماعية التى قادها سمو الأمير «محمد بن سلمان»، ولى عهد السعودية، قد وصلت مصر؟!
لقد نشرت جريدة «النور» بياناً من ندوة علماء الأزهر يكفّر «فرج فودة» فأهدروا دمه .. ولم يكن «فودة» إلا داعياً للدولة المدنية مناهضاً لتطبيق ما يسمى «الحدود الشرعية».. فطبّقوا عليه حد الردة!
هل رأىُ الدكتور «أحمد الطيب»، شيخ الأزهر، بعدم وجود حد للردة فى الإسلام وقوله بأن «الردة جريمة وليست حداً من حدود الدين، بل يتم ترك الأمر لتقدير الحاكم وولىّ الأمر» يختلف كثيراً عما قاله «الغزالى» أم أنه فقط يمنع «الآحاد» من تطبيق العقوبة؟!
لقد آثرت أن أختتم مقالاتى «انسف خطابك القديم» بتقديم بعض النماذج المشرقة فى تاريخ النضال من أجل الإصلاح الدينى والتنوير.. ورغم كثرة الأسماء المضيئة فى جبهتنا ستظل «الرموز» التى فقدت حياتها أو حريتها أو حُرمت من وطنها هى الأبرز: فى تسعينات القرن الماضى أثار الدكتور «نصر حامد أبوزيد» زوبعة بكتاباته فى الفكر الإسلامى والدينى ومعارضته سلطة النص المطلقة، وكفاحه المتواصل من أجل إعادة قراءة معانى القرآن قراءة مستقلة عن التفسير التقليدى، لأن المتطرفين يعتمدون على أحكام وأعراف متوارثة، ليست مأخوذة من القرآن نفسه.. وكانت فاتورة أفكاره قراراً من محكمة الأحوال الشخصية بتطليقه من زوجته الدكتورة «ابتهال يونس»، أستاذة الأدب الفرنسى فى جامعة القاهرة، بعد أن اعتُبر مرتداً عن الإسلام، فاضطر للجوء معها إلى هولندا إثر هذا الحكم.
يعتقد البعض أن المنفى الاختيارى لـ«أبوزيد» قد غيّر قانون «دعاوى الحسبة».. لتصبح «النيابة العامة» وحدها دون غيرها هى المختصة برفع الدعوى فى مسائل الأحوال الشخصية على وجه الحسبة.. لكن على أرض الواقع كل من «هب ودب» يرفع دعوى حسبة.. حدث هذا مع الكاتب «إبراهيم عيسى» والدكتورة «نوال السعداوى» وكثيرين غيرهم.
لم يكن حظ «ابن جيلى» المفكر الشاب «إسلام بحيرى» أفضل من رواد الإصلاح الدينى، لقد تكفّل «مجمّع البحوث الإسلامية»، وهو هيئة تابعة لمؤسسة الأزهر، بتقديم ملف ضخم إلى هيئة المحكمة ليسرقوا عاماً من حريته قضاه فى زنزانة أضيق من حلمه بمجتمع عادل راشد يجدّد خلاياه بالعلم والمعرفة.. لكن سجن «إسلام» لم يغتل «أفكاره»، خرج ليواجه محاولات «التصفية المعنوية» و«اغتيال الشخصية».. حتى تجسّد حلم جيلى فى ملامح «إسلام».. أصبح الرهان معقوداً على وجود «بحيرى» على الشاشة لكنهم اختطفوه منا واختفى!
صوت التنوير لن يتحول إلى «أنين» فى ظلام السجون.. لن ننتظر أن يتغير موقف المؤسسة الدينية طبقاً لبوصلة «المموِّل».. لقد قدمت مصر شهداء لآلهة من عجوة سقطوا عندما أعلن «بن سلمان» ثورته.. والثورة الفكرية والدينية مستمرة من هنا، من على أرضنا.