فى الأول من مارس الماضى، أعلنت الحكومة المصرية عن إطلاق مشروع الجينوم المرجعى المصرى، الذى يقوم على فك الشفرة الوراثية للمواطنين، وإنشاء قاعدة بيانات لتوثيق أول خريطة وراثية للمجتمع المصرى، ومن ثم تحديد الجينات الرئيسية المسئولة عن الأمراض الرئيسية الشائعة عند المصريين. وقد أكدنا فى مقال سابق الأهمية البالغة لهذا المشروع الحيوى المهم. ومع ذلك، ثمة حاجة ماسة لتنظيم وحوكمة الأبحاث ذات الصلة بهذا المشروع وحماية المواطنين المتطوعين لإجراء الأبحاث الجينية عليهم وضمان الحفاظ على سرية البيانات والنتائج التى يكشف عنها المشروع وضمان عدم استغلالها بواسطة أى دولة أو جهة أجنبية للإضرار بالأمن القومى المصرى.
وبالنظر لأن صناعة التشريع تعتمد فى أحد عناصرها على دراسات القانون المقارن، لذا فقد يكون من الملائم إلقاء الضوء على التجارب والممارسات الأجنبية فى هذا الشأن، والاستفادة منها فى إعداد مشروع قانون وطنى بشأن تنظيم وحوكمة أبحاث الجينوم البشرى. وإدراكاً لأهمية العلم بالتشريعات المقارنة فى هذا الشأن، نرى من الملائم الإشارة إلى أن دولة إستونيا قد قامت فى الثالث عشر من ديسمبر 2000م باعتماد قانون بشأن أبحاث الجينوم البشرى (The Human Genes Research Act). وتتحدد أهداف هذا القانون فى تنظيم وإنشاء وحفظ بنك الجينات، وكذا حوكمة الأبحاث الجينية اللازمة لذلك، ولضمان الطبيعة الطوعية للتبرع بالجينات وسرية هوية المتبرعين، ولحماية الأشخاص من إساءة استخدام البيانات الجينية ومن التمييز على أساس تفسير بنية الحمض النووى الخاص بهم والمخاطر الجينية الناشئة عنها. ويشتمل هذا القانون على سبعة فصول: الفصل الأول، الأحكام العامة، ويحدد أهداف ونطاق تطبيق القانون وتعريفات المصطلحات الأساسية اللازمة لتطبيق القانون، والتبعية التشغيلية لبنك الجينات.
أما الفصل الثانى، فيحدد حقوق المتطوعين لإجراء الأبحاث عليهم، سواء من حيث الحفاظ على سرية بياناتهم والطابع الطوعى للتبرع بالجينات، والحق فى طلب إتلاف المواد المتبرع بها. وينصب الفصل الثالث على آليات إنشاء بنك الجينات، سواء من حيث أخذ عينات الأنسجة وإعداد أوصاف الحالة الصحية، والحق فى ملكية هذه العينات والأوصاف، وتحديد الحالات المسموح بها لاستخدام بنك الجينات، وإجراءات تخزين عينات الأنسجة ووصف الحمض النووى ووصف الحالة الصحية، وتنظيم عملية إتلاف البيانات. ويتعلق الفصل الرابع من القانون بحماية البيانات الجينية.
إن الهدف من وراء هذا المقال هو أن نضع تحت بصر صانعى القرار إحدى التجارب الأجنبية الرائدة فى شأن تنظيم وحوكمة مشروع الجينوم البشرى، حرصاً على توفير البيئة التشريعية والتنظيمية اللازمة لنجاح هذا المشروع وتحقيق الأهداف المرجوة من ورائه.
بقى أن نشير أخيراً إلى أن القارئ العزيز ربما يقول فى نفسه إن ثمة أزمات وطنية وإقليمية تمر بها مصر والمنطقة، وإنه ربما كان من الأفضل أن يسهم المقال فى إلقاء الضوء على إحداها.
وبالفعل كنت أفكر فى تخصيص مقال هذا الأسبوع للحديث عن أزمة سد النهضة أو عن العدوان الصهيونى الهمجى على الأراضى الفلسطينية. ولكن، قلت فى نفسى إن العديد من الكُتَّاب قد أدلوا بدلوهم فى هذا الشأن، وأن من الأفضل أن نفطن إلى أن العدو يريد إشغالنا عن معركة التنمية. ولذلك، يبدو من الضرورى ألا تشغلنا هذه الأزمات عن الاستمرار فى مسيرة التنمية. وكلنا ثقة فى القيادة السياسية على العبور بنا إلى بر الأمان وتجاوز هذه الأزمات. حفظ الله مصرنا الحبيبة من كل مكروه وسوء.