جملة شديدة الدلالة جاءت على لسان وزير الخارجية سامح شكرى خلال كلمته أمام اجتماع مجلس الأمن لمناقشة الوضع المنفجر فى الأراضى المحتلة.
قال «شكرى»: «بعد 42 عاماً على إطلاق عملية السلام، لم تقدم إسرائيل شيئاً».
لا يخفى عليك أن العبارة تشير إلى المحطة الأولى لانطلاق عملية السلام بين مصر إسرائيل عام 1979، وهو العام الذى شهد إبرام اتفاقية السلام بين البلدين، ثم أخذت العملية فى التمدد بعد ذلك إلى فلسطين، حين وقعت السلطة الفلسطينية اتفاق أوسلو بينها وبين إسرائيل (سبتمبر 1993)، بعدها وقعت الأردن اتفاقية سلام مع إسرائيل عام 1994، ثم انطلق قطار التطبيع الذى انضمت إليه مؤخراً بعض دول الخليج العربى.
طيلة الفترة الممتدة منذ 1979 حتى الآن لم تتوقف إسرائيل عن الحرب، ولم يتوقف العرب عن الموعظة بالسلام.
42 عاماً تمددت فيها المستوطنات الإسرائيلية فى الضفة الغربية والقدس الشرقية، وابتلعت فيها سلطة الاحتلال المزيد من الأراضى الفلسطينية، وضمت الجولان رسمياً إلى أراضيها، وقتلت فى لبنان والضفة والقطاع والقدس.
المسألة لم تتوقف عند القتل ونهب الأرض، بل امتدت إلى ما هو أدهى وأمر.
فلك أن تقارن بين حجم التطور العلمى والتكنولوجى والتسليح الذى حققته إسرائيل خلال 4 عقود وما أنجزه العرب على هذه المستويات.
42 عاماً من السلام تطاولت فيها الدول العربية فى البنيان، وتأكدت استثماراتها فى صناعة الترفيه (الملاهى والشواطئ والمنتجعات والاتصالات وخلافه)، دون أن يكون لها نصيب فى تطوير صناعى أو زراعى أو علمى أو تكنولوجى.
42 عاماً زادت خلالها مساحة الاتكال على ما ينتجه الغير دون أن نعطى العالم فى المقابل ما يتساوى مع ما نأخذه.
لك أن تقارن بين ما تحقق من تكريس وتأكيد لدولة إسرائيل الكبرى فى وجدان المحتل وما حدث من اهتزاز وارتباك فى النفس العربية التى بدأت تتحدث عن إسرائيل كصديق، وأخذت على مدار أربعة عقود فى بناء تصورات تختلط فيها الحقائق بالأوهام حول أعداء آخرين غير إسرائيل.
ماذا كنا ننتظر أن تقدم إسرائيل لمجتمعات بهذا القدر من الهشاشة بعد أكثر من 40 سنة من السلام؟
لقد انتشر خلال السنين الطويلة الماضية نوع من التلوث العقلى والنفسى داخل الإنسان العربى، بدفع وتشجيع من رؤوس الحربة من بعض المطبعين والمتصهينين العرب.
راجع عملية التلوث التى أصابت المنتج الفنى والثقافى للعرب خلال هذه السنين وستجد رائحة التلوث تفوح من جنباته.
أصبح لدينا مثقفون يصفون أنفسهم بـ«الواقعية» وكانت الواقعية لديهم تعنى المزيد من الارتماء فى أحضان عدوهم والقبول بالتردى فى واقعهم المعاش.
مثقفون وقادة رأى وقادة دول عربية رأوا فى العدو السند الأول والأكبر لتحقيق مطامعهم.
منهم من يطمع فى منصب أو جاه.. أو جائزة عالمية يريد الحصول عليها بأى ثمن، وإذا لام هؤلاء أحد ارتدوا ثوباً مهلهلاً يصفونه زوراً بالعقلانية وأخذوا يحاضرون لك بالشرف.. الطمع إذا دخل نفساً فقُل على عقل صاحبها «السلام»!.
الشىء الوحيد الذى يجب أن نلتفت إليه بعد أكثر من 40 سنة من التسييل الممنهج للعقل والنفس العربية هو ذلك الإنسان الصامد.. ذلك الذى يستولد الحق من أضلع المستحيل.. هناك فى غزة.