لا يخفى على صانع القرار فى أى دولة نامية، خاصة مصر، أن صغار المنتجين، وأصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة، هم قاطرة التنمية فى عصب اقتصادها.
وليس أكثر على مؤشر الأهمية من منتجى الأغذية فى مصر، سواء كانوا فلاحين أو مربى دواجن وماشية وأصحاب مزارع أسماك وصيادين، حيث لا يقل عددهم أبداً فى مصر عن نحو 50 مليون شخص، ويعيش على حصاد أيديهم كل من ينتمى إلى «أم الدنيا».
والغريب فى بلدنا الأمين أن تعليمات رئيس الجمهورية التى تترجم هذا الفكر لا يقابلها مسئولون تشغلهم ترجمة هذا التخطيط بالعمل الدؤوب للحصول على طحين حقيقى خلف ماكينات لا تتوقف عن الدوران ليل نهار، وتستهلك الكثير من الوقت والجهد والمال.
وحتى يكون للحديث معنى، نذكر أمثلة حية، ليست فى الزراعة فقط، وإنما فى أنشطة ترتبط بها أيضاً:
- لا تزال الجهات المسئولة عن تقنين أراضى الظهير الصحراوى تنظر إلى المغامرين نظرة بوليسية مفادها اتهامهم بالاعتداء على أملاك الدولة، بدلاً من تقديم الدعم المعنوى، لتعينهم على النحت فى الصخور، وتحويل الرمال الصفراء القاحلة إلى مساحات خضراء، تفيد التحسن البيئى، ثم الأمن المجتمعى بتوفير فرص العمل، وهو أمن اقتصادى قومى بمعول إنتاج الأغذية.
- لا تزال الجهات ذاتها تتعامل مع ملفات المنتجين بازدواجية معوّقة، ضاربة بالقانون عرض الحائط، وأعنى بهذا النموذج معاملة الفدان المخصص للإنتاج الداجنى والحيوانى والسمكى معاملة تجارية من حيث أسعار الخدمات (كهرباء، مياه، وغاز)، رغم وجود قانون مُلزِم باعتبارها وحدة منتجة زراعية، لإعفائها من الضرائب العقارية، ومحاسبتها على استهلاك الطاقة بنفس تسعيرة كهرباء رى الزراعات.
- مع التنويه والإعلان الدائمين عن تسهيل إدخال المستثمرين الصغار ضمن نظام «الشمول المالى» الرسمى للدولة، لا يزال مربى الدواجن والماشية الصغير مثلاً، بعيداً عن طرق الترخيص وتقنين الوضع والحال، بإصدار بطاقة ضريبية وسجل تجارى، خوفاً من شبح مأمور الضرائب، وهذا النموذج يتعدد بعشرات الآلاف بين صغار منتجى الدواجن وبيض المائدة وحظائر الماشية، الذين يفضلون التربية داخل عنابر غير مرخصة، خوفاً من فتح «حنفية» الإكراميات و«السُحت» الذى احترفه بعض مفتشى الجهات المخوّل لها بذلك.
ـ معظم الزارعين ومربى الدواجن والماشية والأسماك يفتقدون أمان الكيانات الحاضنة، مثل الاتحادات الرسمية، أو الجمعيات النوعية، مثل تعاونيات الزيتون، أو الموالح، أو البطاطس، أو الدواجن، أو الماشية، وحتى السمكية، كما لا توجد جمعيات تسويق مؤهلة لتعظيم منتجاتهم التى تجسد دعامة الأمن الغذائى والاقتصادى والمجتمعى.
ـ لا يزال المزارعون فى مصر بعيدين عن الثقة التامة فى خطط الدولة فيما يخص الخريطة المحصولية الواجب اتباعها، حتى يمكن التوازن والربط بين الإنتاج المتوقع، واحتياجات السوق، والقدرة التصديرية.
ـ لا تزال الزراعة فى حاجة إلى تسهيل الاستثمار فى لوجيستيات تخزين الحاصلات الطازجة، مثل: الموالح، المانجو، الجوافة، الفراولة، الخوخ، والمشمش، وحتى البطاطس، حيث إن عنابر التبريد المتاحة حالياً لا تكفى 40% من الطاقة الإنتاجية لقطاع الزراعة، مع العلم أن الاستثمار فى هذا المجال يحقن هدراً لا تقل نسبته عن 30% من الإنتاج بسبب التداول السيئ ما بعد الحصاد.
خلاصة القول: لا يدّعى مسئول ما أو جهة بعينها وضع آليات تنفيذ واقعية لتحسين وضع المنتجين فى مصر، ما لم تتدخل الدولة ممثلة فى الوزارات المسئولة عن الأمن الغذائى والاقتصادى المصرى لحماية المنتِج من الخسائر، حتى يجد المواطن ما يأكله بسعر عادل، ويجد الفلاح ما يعينه على الإنتاج المربح.