فى الحادثة الأخيرة التى شهدها حى الزمالك تم العثور على كنز ثمين يتكون من مجموعة من التحف النادرة والمجوهرات الثمينة والعملات التاريخية والنياشين، تنتمى فى أغلبها إلى ملوك الأسرة العلوية الذين حكموا مصر منذ عصر محمد على وحتى قيام ثورة يوليو 1952.
الخبيئة الأثرية الكبيرة كانت مخفية فى إحدى الشقق بحى الزمالك العريق، وهى مملوكة لأسرة شغل الآباء والأجداد فيها مواقع نافذة فى العصر الملكى، وقد ذكر نجل مالك الشقة أن كل الموجود لدى أسرته عبارة عن مقتنيات خاصة ورثها والده البالغ من العمر 75 عاماً عن أجداده الأثرياء الذين كانوا يتقلدون مناصب وزارية فى الحكم الملكى.
بعيداً عن القيمة الأثرية الكبرى للكنز الثمين الذى عثرت عليه قوات تنفيذ الأحكام، إلا أن الروابط العائلية التى كشفت عنها الواقعة تدلل على أن نخبة الحكم تعرف كيف تعيد إنتاج نفسها من عصر إلى عصر. فالأسرة التى تم العثور على الخبيئة لديها تقدم نموذجاً لأسر عديدة شكلت جزءاً من نخبة الحكم بعد يوليو 1952. ولو أنك نحيتها جانباً وفتشت عن أسماء بعض أفراد نخبة الحكم التى تقلبت على مصر خلال العقود الأخيرة، فستجد أن كثيراً منها ينتمى إلى عائلات الباشوات والبكوات والوزراء وأعضاء مجلس النواب والشيوخ وغيرهم ممن شكلوا نخبة الحكم فى العصر الملكى. يكفى أن أذكر لك عائلات جرانة ورشيد والمغربى وغالى، حتى تتذكر أسماء أخرى لمعت فى سماء الحياة السياسية وتعاظمت أدوارها خلال العقود الماضية. على أن المسألة لا تتوقف عند أفراد النخبة التى ينتمى آباؤها وأجدادها إلى عصر ما قبل ثورة يوليو، بل لقد تمدد الأمر إلى العائلات التى تربعت على كراسى السلطة بعد 1952، يكفى أن نستشهد فى هذا السياق بعائلة واحدة هى «عائلة محيى الدين». وتنسحب أوضاع النخبة السياسية فى مصر على النخبة الاقتصادية أيضاً. فبعض رجال المال والأعمال البارزين ينتمون إلى عائلات، بعضها يضرب بجذور الثراء فى العصر الملكى.
يبدو أن تلك طبائع الأشياء فى دنيا السياسة والأعمال، فحظوظ من ينتمون إلى «أولاد الناس» أعلى على المستويين السياسى والاقتصادى، فبإمكانهم الحصول على تعليم أفضل، وفرص السفر والاحتكاك متاحة لهم، بالإضافة إلى اعتمادهم على «خميرة» جيدة تركها لهم الآباء والأجداد. وللمصريين مثل لطيف يقول «اللى معملّوش جدوده يلطم على خدوده».
لا يمنع ذلك بالطبع من وجود «ولاد بلد» عاديين تمكنوا من الصعود والانخراط بين أفراد نخبة الحكم، وأصبحوا جزءاً منها، لكنهم بعد حين ينسون جذورهم ويستغرقون فى إتقان قوانين وقواعد لعبة التوريث، والسيطرة العائلية. ويبدو أننا لم نتحرر بعد من التقسيمة المملوكية الشهيرة التى كانت تصنف المصريين فى فئتين: فئة «ولاد الناس» وهم أبناء المماليك الحكام، وفئة «ولاد البلد» وهم الأهالى العاديون المحكومون بالسلطة المملوكية، ولم يكن لهم أى قدرة على التسلل إلى طبقة الحكم. يقول المبدع الراحل أمل دنقل -أظلته سحائب الرحمة والرضوان- فى قصيدة «الخيول»: «والخيول جدار به انقسم.. الناس صنفين: صاروا مشاة وركبان».