نحن مقبلون على عالم جديد فى ظل كورونا. المستقبل القريب بكل تفاصيله سيكون بمسحة فيروسية. التعليم والسفر والعمل والزواج والترفيه والعزاء وكل كبيرة وصغيرة ستكون وثيقة الصلة بالفيروس. تفاصيل الحياة فى أرجاء الكوكب فى قبضة الفيروس العنيد.
وقبضة الفيروس ليست صحية فقط، بل هى وثيقة جداً بالسياسة والاقتصاد والشكل المستقبلى للكوكب.
بداية، بُحّ صوت منظمة الصحة العالمية وعدد من المنظمات الأممية مثل «يونيسيف» وغيرها فى مناشدة من يملك أن يضع من لا يملك فى الحسبان. فقد حدث المتوقع تماماً، واتبعت الدول التى تملك مبدأ «ما يحتاجه بيتك يحرم على الجامع». اكتنزت الدول الكبرى والمتقدمة مليارات اللقاحات، ومنها ما أبرم الصفقات والاتفاقات قبل الهنا بسنة. لم تنتظر البحث والابتكار والطرح، بل توجهت إلى الشركات المتوقع نجاحها فى الوصول إلى لقاح، وأبرمت معها اتفاقات ثنائية بعيداً عن الأعين، وحصلت على احتياجاتها قبل أن تفيق الدول الأخرى من صدمة الوباء لتواجه صدمة شح اللقاح.
خذ عندك مثلاً إسرائيل، على سبيل المثال، التى يعتبرها العالم اليوم النموذج الأنجح فى التلقيح. فقد بدأت قبل أيام فى تلقيح المراهقين المتراوحة أعمارهم بين 12 و16 عاماً، وذلك بعدما نجحت فى تلقيح ما يزيد على خمسة ملايين إسرائيلى، أى نحو 55 فى المائة من السكان بالجرعتين. وقد أدى هذا إلى تراجع كبير فى معدلات العدوى، فكانت من أوائل دول الكوكب التى تعيد فتح الأماكن العامة للجمهور. وبلغة الاقتصاد كانت من أوائل الدول التى تسير فى طريق التعافى الاقتصادى.
ليس هذا فقط، بل تُجرى إسرائيل حالياً تجارب اقتصادية/صحية على أرض الواقع، إذ فتحت باب السياحة جزئياً وجعلته حكراً على الحاصلين على اللقاح بجرعتيه فى إطار «برنامج تدريبى». وللعلم فإن نسب الإصابة بالفيروس فى إسرائيل كانت ضمن الأعلى فى العالم وقت ذروة الوباء، وسجلت عشرة آلاف إصابة فى اليوم الواحد، وذلك قبل أن تضع خطة «ماتخرش الميّه» فى شأن اللقاح والفئات التى تحصل عليه. وعلى الرغم من النفى السورى، فإنه من المرجح أن تكون إسرائيل ضالعة فى اتفاق حصلت بموجبه سوريا على كميات من اللقاح الروسى مطلع العام الجارى.
العام الجارى لن ينقضى إلا و«جواز سفر كورونا» معمول به، على الأقل بين دول بعينها. وقبل أيام وافق نواب دول الاتحاد الأوروبى على إصدار شهادة سفر تسمح للمواطنين بالتنقل بين الدول الأعضاء دون الحاجة إلى حجر صحى أو خضوع لاختبارات إضافية لفيروس كورونا. وهذا يعنى بدء فتح أبواب السفر المغلقة أو المقيدة بين دول الاتحاد الأوروبى، لكنه فتح محدود وتيسير قاصر على مواطنى هذه الدول. وهذا يعنى أيضاً شكلاً انتقائياً فى السفر والسياحة لا يشمل بقية شعوب الأرض. آثار هذه الإجراءات لا تعنى فقط تضييقاً على السياح أو المسافرين القادمين من دول خارج الاتحاد الأوروبى، لكنه يعنى أيضاً تعاملاً مختلفاً مع الهجرة والمهاجرين، لا من منطلق إغلاق أبواب الدول المتخمة بمهاجرى المراكب وعابرى الحدود وغيرهم، لكن من منطلق الحماية والوقاية من عودة انتشار الفيروس.
وهناك نقطة يغفل أو ربما يخشى كثيرون التفكير فيها، ألا وهى أن اللقاح ليس أبدياً، بمعنى أنه على الأرجح سيكون مثل لقاح الإنفلونزا الموسمية، وهو ما يعنى بنداً إضافياً من المليارات المخصصة للقاحات.
ما سبق نقطة فى بحر العالم ما بعد موجات كورونا الثلاث وربما الأربع الأولى. اقتصاد مختلف، وسياسية وديبلوماسية مغايرتان، وآثار كثيرة لم تكن فى الحسبان.