لم أكن يوماً ضد مذهب من المذاهب أو ديانة غير الإسلام، كنت أكتب دائماً أن التسامح وقبول الآخر والتعددية الدينية هى الحل الأمثل لمواجهة التطرف والإرهاب.. وكنت دائما ضد تسييس المذهب أو الطائفة أو الدين: الحرب الأهلية التى فتتت اللُحمة الوطنية فى لبنان كانت طائفية، والحرب الدائرة فى سوريا وفى اليمن «خصومة مذهبية» بالأساس.. والمواجهات بين دول الخليج وإيران مواجهة سنية-شيعية.. لدرجة أن «ملالى إيران» أصبحوا فزاعة للدول السنية والغربية منذ ثورة «الخمينى» والنزعة للتوسع الشيعى.. التشيع فى مصر تهمة، فالحسينيات مغلقة، وكتبهم ممنوعة من التداول، وشعائرهم التى يقدسها «الدستور» مُصادَرة!
مسجد «الروضة» الذى ضربه عناصر السلفية الجهادية التكفيرية هو مسجد «صوفى»، ومن هنا نبدأ.. لاحظت فى الآونة الأخيرة أن البعض يحاول (استبدال السلفية بالصوفية) باعتبار أن الطرق الصوفية مسالمة ومحبة تسبح فى فضاءات «العشق الإلهى» رغم أنها مسيّسة!
وفى صدام شهير على الفيس بوك طلبت فتاة «الإذن بالذكر» من الدكتور «أسامة الأزهرى»، مستشار رئيس الجمهورية للشئون الدينية، واستجاب لطلبها: «نعم يا بنتى أذنت لك، يا عزيز 658 مرة».. ثم بدأ الجدل حول عبقرية الأرقام والحروف فى القرآن، ولماذا تطلب الإذن من الشيخ، وهو ما فسّره «الأزهرى» قائلاً «إنه طلب الدعاء بالتوفيق فيه فكل من طلب الإذن فى الذكر أدعو له بالتوفيق فيه وأرجو منه الدعاء أيضاً».. أما الداعية الأزهرى «هشام محمود» فيقول إن معنى اﻹذن بالذكر هو الإجازة فيه، موضحاً: «يمكن هنا أن نقيسه على اﻹجازة فى القرآن الكريم، كذلك اﻹجازة فى القرآن تجعل صاحبها متصلاً بسند نورانى حلقاته أهل العلم ورأسُه رسول الله ﷺ، فأنت عندما تأخذ اﻹذن فى الذكر من أحد من أهل العلم تكون بذلك قد اتصلت بسند نورانى رأسُه الجناب النبوى المعظَّم ﷺ».
هكذا يتجلى المشهد الذى يبلور علاقة «الشيخ بمريده» فى الطرق الصوفية جميعاً، والتى تكرس نموذجاً آخر للكهنوت الدينى، حيث يلعب شيخ الطريقة دور «الوسيط» بين المريد وبين الله تعالى تماماً كما يلعب نفس الدور «الملا» عند الشيعة!
الدكتور «سعد الدين الهلالى»، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، طرح سؤالاً منطقياً فى برنامج «الحكاية» مع «عمرو أديب»: مَن الذى منح شيخ الطريقه نفسه «الإجازة»؟.. وقال إن الشيخ هو «زعيم المريد» أمام الله عز وجل فى الدنيا وليس الآخرة.. وهو يُطمئن «المريد» فى الدنيا بأن يعطيه «العهد» بعدما يوضح أنه أخذ العهد عن شيخ آخر أو نفذ الأذكار بعدد معين جعله يصل.. وحتى يجيز «المريد» فإنه يأخذ منه «العهد»!
وأضاف «الهلالى» أن فى مصر 77 طريقة صوفية رسمية، أى مسجلة وفقاً للقانون 118 لسنة 76 المنظم للطرق الصوفية، وقوة الطريقة بقوة عددها، والمجموع بحسب ما يقال بشكل غير رسمى 10 ملايين يتبعون الفكر الصوفى.. وشدد «الهلالى» على فكرة رفع «الوساطة» بين العبد وربه.
لكن الواضح أن هناك إعادة صياغة لقاعدة الإسلام السياسى فى مصر، 10 ملايين صوفى بدلاً من تيار سلفى يرتبط بعضه بالفكر التكفيرى قد يُعد صمام أمان لأى دولة.. لكن الحقيقة أن فكرة «التحزب الدينى» نفسها فكرة قاتلة لأى نظام.. لكننا لا نتعلم من أخطائنا السابقة ونفتش دائماً عن ظهير شعبى يتمحور حول الدين/الشيخ/المرشد.. ونجعل «المثقف» و«السياسى» دراويش فى حلقة ذكر!