لماذا يتعامل المجتمع مع بعض التهديدات الكبرى والمهمة بقدر واضح من البلادة واللامبالاة؟
أسلوب التعامل مع «كورونا» يعد نموذجاً صارخاً على ذلك، تستطيع أن تستخلص هذه الملاحظة من مراجعة أسلوب تعامل المجموع فى مصر وبعض دول العالم مع الفيروس.
هناك عدة أسباب تفسر اللامبالاة أو البلادة التى يتعامل بها المجموع مع «كورونا» وغير ذلك من الأحداث الكبرى.
أول هذه الأسباب نظرة اليأس التى تحكم رؤية الكثيرين للفيروس، فقد تحمّل المجموع تبعات الموجة الأولى ثم الثانية ثم الثالثة دون أن يتغير شىء فى الواقع، وها هو العالم على أعتاب موجة رابعة.
فبعد تراجع معدلات الإصابات واختفاء الوفيات بالفيروس فى بعض دول العالم التى توسعت فى تطعيم مواطنيها، إذا بالأرقام تعود إلى الارتفاع من جديد على منحنى الإصابات والوفيات.
لقد بات الكثيرون ينظرون بيأس إلى موجات الفيروس المتلاحقة، حتى اللحظة شهدنا ثلاث موجات تحور فيها الفيروس وجدد نفسه بحيث أصبح قادراً على الضرب من جديد بأساليب وطرق وأعراض مختلفة.
فى بعض دول العالم يتحدث مسئولو الصحة عن موجة رابعة متوقعة للفيروس. وفى مصر حذر الدكتور محمد عوض تاج الدين، مستشار الرئيس للشئون الصحية من أنه إذا حدثت موجة رابعة من الفيروس ستكون سلالات جديدة ومتحورة.
السبب الثانى يتعلق بغياب التفاصيل، فالأصل فى إيجابية تعامل المجموع مع حدث معين هو «التفاصيل». فحجم التفاصيل المتوافرة حول الحدث يتدخل فى تحديد درجة التفاعل معه أو الانفعال به.
«كورونا» فيروس غامض، لا تتوافر تفاصيل حاسمة ودقيقة حول أسباب ظهوره، ومسارات استمراره. فحتى اللحظة لم يحسم العالم بعد مسألة نشأته. البعض يقول إنه فيروس طبيعى، والآخر يذهب إلى أنه فيروس مخلّق تسرب من أحد معامل الصين إلى العالم.
الغموض وغياب التفاصيل يؤدى إلى نوع من التبلد واللامبالاة فى التعامل مع الأحداث، مهما كان تأثيرها على الواقع. فالحقيقة تساوى وعياً، أما الغموض فيساوى فوضى وتشتتاً وغيبوبة.
السبب الثالث يتعلق بمسألة الاعتياد، فطول أمد أى حدث يؤدى إلى التعود عليه وعلى نتائجه وآثاره حتى يصبح أمراً واقعاً وجزءاً من الحياة.
لقد بدأ العالم رحلة «كورونا» أوائل العام الماضى، والأيام تمر دون أى تغير فى الأوضاع، بل يحمل كل يوم جديد تحوراً فى الفيروس، وظهور سلالة جديدة من سلالاته، والنتيجة أن الناس تعودت على وجوده، وتبلدت أحاسيسها نحوه.
البلادة واللامبالاة التى يتعامل بها كثيرون مع فيروس كورونا تفرض على المسئولين، خصوصاً داخل دول العالم الثالث، اليقظة والحذر.
فمنحنى شراسة الفيروس يزيد مع كل موجة من موجاته، وكم اللامبالاة والتبلد فى التعامل معه يرتفع مع كل موجة جديدة، ما ينذر بمخاطر عدة.
لقد شهدنا تجربة حية للنتائج التى يمكن أن تترتب على التعامل البليد مع الفيروس فى الهند التى أنتجت سلالة خاصة بها، والأمر نفسه ينطبق على بريطانيا التى رفعت أول ما ظهر الفيروس بأراضيها شعار مناعة القطيع، فكانت النتيجة «سلالة بريطانية».
والنتيجة أنه يوجد عدد من السلالات بعدد شعوب العالم أو أكثر، مع إمكانية التصدير بالطبع!