تعد معركة «بلاط الشهداء» محطة فاصلة فى تاريخ الصراع بين المسلمين وأوروبا المسيحية، ولو أن النصر تحقق للمسلمين فى هذه المعركة لكانت دول أوروبا اليوم مسلمة مثلها فى ذلك مثل دول شمال أفريقيا المختلفة. قاد «عبدالرحمن الغافقى» هذه المعركة، وبدأها بعبور الجبال الفاصلة بين كل من إسبانيا وفرنسا، وتوغل بجنوده، بعد ذلك، فى الأراضى الفرنسية ليحقق النصر تلو الآخر، وكان أن أغرى جنوده بحصد الغنائم الناجمة عن انتصاراتهم، فثقلت -بسببها- حركة الجيش، وأبطأ إيقاعه فى السير والعدو والكر والفر. وظهرت نتائج ذلك عندما تواجه مع جيش «كارل مارتل» قائد الفرنجة، فكانت الهزيمة التى سقط على أثرها آلاف الشهداء من جنود المسلمين، وعلى رأسهم القائد «عبدالرحمن الغافقى».
هذه المعركة درس لأى فريق تغريه الانتصارات الأولى فى أى معركة بجمع الغنائم وحصد المكاسب دون تمهل أو تريث، مما يؤدى إلى تثاقله وبطء إيقاعه فى المعركة التالية. المكسب حلو ولا شك، لكن له عيب وحيد يتمثل فى أن ما تكسبه سوف يشكل حملاً عليك، لأنك تريد أن تحافظ عليه، وألا تفقده بأية صورة من الصور. وعندما تواجه معركة جديدة فإنك تتحرك فيها بعينين: عين على المكسب المرتقب الذى تحلم بتحقيقه، وعين على المكسب المضمون الذى يوجد فى يديك. وإذا كانت مكاسب يديك عديدة فإنك تنتبه إليها أكثر، لتفقد تركيزك فى مواجهة المعركة الجديدة وتخسر فى النهاية كل شىء. والأولى بصاحب هذه الحال أن يكتفى بما فى يديه، وألا يبحث عن مغنم جديد، رافعاً شعار «عصفور فى اليد خير من عشرة على الشجرة»، أو أن يتعامل كإنسان صاحب قضية لا يبحث عن المغانم، قدر ما يجتهد فى تحقيق الهدف.
الإخوان المسلمون أجدر وأحق من غيرهم باستيعاب هذا الدرس، ليكتفوا بما حققوه من مكاسب خلال الأشهر الماضية، ولا ينظروا إلى المغالبة على غيرها. فهم الآن مثقلون برئاسة الدولة، ورئاسة الحكومة، ونسبة من الوزراء والمحافظين، بالإضافة إلى سيطرتهم على مجلس الشورى، والمجالس الأخرى المنبثقة عنه، وفى أيديهم أيضاً الإعلام الرسمى، والجمعية التأسيسية للدستور. ما فى يد الإخوان كثير، و«الطمع يقل ما جمع». فإذا كان الإخوان يرمون أعينهم على السيطرة من جديد على مجلس الشعب، والوزارة فى أى تعديل مرتقب لها، وحركة المحافظين الذين لم يتم تغييرهم بعد، فإن ذلك سيؤدى بهم إلى نهاية واحدة، تتماثل مع ما انتهى إليه جيش عبدالرحمن الغافقى فى «بلاط الشهداء»، مع اختلاف وحيد، هو أن جنود «الغافقى» سكنوا خانة الشهداء، أما الإخوان فسوف يجلسون على «البلاط»!.