«فتاوى الدم» بين السلفيين والإخوان.. مشايخ أفتوا بالتكفير ومهدوا للقتل
اغتيال النائب العام
خلال أكثر من 100 عام، صدرت العديد من الفتاوى الدينية المحمّلة بالدم، التي أطلقها من يصفون أنفسهم بـ«العلماء»، والتي مهدت الطريق ووفرت المبرر الشرعي لارتكاب جرائم القتل ضد مسؤولين وقضاة ومفكرين.
فتوى حسن البنا بإهدار دم الخازندار
فتوى إهدار دم القاضي أحمد الخازندار في مارس 1948، واحدة من أشهر الفتاوى التي أصدرها مؤسس الإخوان حسن البنا، بعد حكم الخازندار بالمؤبد على عدد من عناصر الإخوان، حيث اكتفى بالقول «ربنا يريحنا من الخازندار وأمثاله» أمام عبدالرحمن السندي، مسؤول التنظيم الخاص بجماعة الإخوان الإرهابية آنذاك، والذي اعتبرها إذنا شرعيا من المرشد للتخلص من الخازندار، وبالفعل في 23 مارس 1848 اغتالت الجماعة الخازندار أمام منزله في حلوان.
بعد أشهر قليلة، وفي العام ذاته، أقدم التنظيم السري للاخوان على واقعة اغتيال جديدة، بحق قاضٍ آخر وهو محمود فهمي النقراشي، بعد حكمه بحل تنظيم الإخوان في ديسمبر 1948، بعد فتوى للشيخ سيد سابق صاحب كتاب فقه السنة، الذي لقب بـ«مفتي الدم»، والذي أجاز إهدار دم النقراشي بسبب حكمه القضائي، ووقعت الجريمة على نفس طريقة الجريمة السابقة.
فتاوى دينية وراء محاولات التخلص من عبدالناصر واغتيال السادات
وفي خمسينيات وستينيات من القرن الماضي، خرج عدد من الفتاوى المتطرفة التي تحرض على قتل الرئيس جمال عبدالناصر، وقف وراءها عدد من مشايخ ومنظري الإخوان، مثل محمد فرغلي وعبدالقادر عودة اللذين كان وراء حادث المنشية 54، ثم سيد قطب الذي أسس تنظيم 65 لتكرار محاولة اغتيال عبدالناصر، باعتباره «كافر»، بحسب آراءهم المضللة.
لكن ما فشلت فيه جماعات الدم بحق الرئيس عبدالناصر، تمكنت من تحقيقه بحق الرئيس أنور السادات، حيث خرجت فتاوى التكفير وإهدار الدم مجددا، ووقف وراءها هذه المرة عمر عبدالرحمن شيخ الجماعة الإسلامية، حيث نّفذت جريمة اغتيال السادات في أكتوبر 1981 استنادا إلى الفتوى المضللة لعمر عبدالرحمن.
اغتيال المفكر فرج فودة
أعمال الاغتيالات السياسية والدينية التي اعتمدت على فتاوى لمشايخ الجماعات الإسلامية المتطرفة، لم تتوقف عند القضاة والسياسيين والرؤساء، بل شملت الكتاب والمفكرين أيضا، وهو ما حدث مع المفكر فرج فودة، الذي أفتى بردته عن الإسلام الشيخ محمد الغزالي، ورغم فتواه بردّة فودة، إلا أنّه تنصل من عملية قتله في شهادته أمام المحكمة.
واعتمد منفذة جريمة اغتيال فرج فودة على فتوى للشيخ عبدالغفار عزيز، الشيخ الأزهري، الذي تولى عمادة كلية الدعوة الإسلامية بالمنوفية وعمره 41 عاما، حيث أصدر بياناً يكفر «فودة»، نشرته جريدة «النور» قبل الاغتيال بـ5 أيام فقط، ثم أصدر كتابا بعد الحادثة، باسم «من قتل فرج فودة؟»، أورد فيه 4 اتهامات تفيد بردّة المفكر، أولها رفض تطبيق الشريعة، حتى أنهى الكتاب بعبارة «فرج فودة هو من قتل فرج فودة».
القرضاوي مفتي الدم الأشهر
أفتى الشيخ يوسف القرضاوي، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، بإهدار دم معمر القذافي رئيس الدولة الليبية، وقال: «من يستطيع إطلاق رصاصة عليه فليفعل»، وبعدها تم بالفعل قتل معمر القذافي وسط مشهد مروع في استباحة الدم وانتهاك حرمة الميت.
ولم يكتف القرضاوي، مفتي الدم، بإهدار دماء أحد حكام العرب آنذاك، لكنه أهدر دم بعض رجال الدين أيضا ممن وصفهم بمؤيدي الأنظمة، ومنهم الشيخ محمد سعيد البوطي، بسبب مساندته للنظام السوري على حد وصفه، حيث قال «كل من يدعم النظام السوري فليقتل»، وهي الفتوى التي تحولت إلى إجراء عملية باغتيال البوطي أحد أهم المشايخ الين شاهدوا الدولة السورية، ورفضوا استخدام العنف من جانب الجماعات الارهابية، لكن بعد وفاته عاد القرضاوي يقول في خطبة جمعة أمام المصلين: «كنت أتمنى أن يهديه الله في آخر المدة».
سعد الدين هلالي: مشايخ الدم قدّموا فتاوى ضالة.. وكلامهم أخطر من القتل
من جانبه، قال الدكتور سعد الدين هلالي أستاذ الفقه، إنّ القاتل الجاهل يحتاج إلى فتوى من عالم، فإذا صدرت الفتوى بالردة واستحلال الدم، كان التنفيذ خطوة سهلة بعد ذلك، معتبرا أنّ أثر هذه الفتاوى الضالة المبنية على مغالطات كثيرة، أخطر بكثير من القتل، متابعا: «هؤلاء مش بيفتوا الدين ولا بيطلقوا أحكام شرع، لكن هؤلاء مأجورين بينفذوا أوامر ومصالح وشبكات سياسية، لكن في قالب ديني ووازع شرعي للتأثير في العناصر المنفذة والسيطرة على عقول الشباب المنتمين لجماعاتهم».