إقليمياً بدأت شرارة إعادة ترسيم الشرق الأوسط الجديد من العراق. اشتعلت الأرض من بغداد فى بروفة أخيرة لبدء تصدير موجات ما سُمى بعدها بالربيع العربى إلى دول المنطقة، وصولاً إلى مصر.
بدايات التفاعل فى العراق شملت أساسيات فى الطريق للإتيان بالدولة على الأرض، أولها إثارة النزعات العرقية والمذهبية، فى نزاع ينتهى بصراع مسلح يمتد من مواجهة جماهير بجماهير.. إلى مواجهة مع الدولة ومؤسساتها.
الذى حدث فى العراق أن الدولة سقطت أسرع مما كان مفترضاً، وبدأ سرطان الفوضى يسرى فى العظام.
نجح تثوير الشارع العراقى فى دفع المواطن للوقوف بجسارة فى مواجهة دولة ومؤسساتها، فى درجة من الغليان سبقها قرار أمريكى جهنمى بتسريح الجيش الوطنى واستبداله بميليشيات مسلحة تعمل كل منها فى اتجاه.. وتدعو كل منها لاتجاه.
فى أماكن مختلفة على ظهر الكوكب استهدف التخطيط للربيع العربى الجيوش الوطنية للدول. هدم الجيوش الوطنية كان الطريق الأوحد لتمرير الفوضى تحت شعارات العيش والحرية والكرامة الإنسانية.
كان ما كان فى العراق، وفى تونس وقف الشارع فى مواجهة جيشه فى سلاسل نارية توقفت فى مصر، بعدما قطع دابرها جيش مصر.
فى العراق كانت الثغرات كثيرة، أولاها تركيبة جيش عراقى قائم على أسس طائفية، بتوازنات شديدة التعقيد، بدا مع أولى موجات الفوضى أن فك تلك الارتباطات شديد السهولة، وأن خلخلة أواصره من داخله شديدة اليسر.
فى خلفية المشهد فى مصر، كان هناك رجال يقيسون هنا، ويعملون هناك على رأس جيش وطنى قادر بامتياز. لعب هؤلاء فى الخفاء أدواراً نادرة على رسومات الفداء البيانية.. صوناً للأرض وللعرض.
فى المقابل، استمر فى الشارع الخداع سارياً بشعارات مزيّفة أطلقها بعضهم.. وبأموال ملونة من حنفيات التدفّق على آخرين.
وصلت عجلة تثوير الشارع المصرى إلى قمة الدوران عام 2011، تلاعب الثوار بالشعارات المزيفة، والمفردات الجوفاء تأليباً للرأى العام ضد الدولة.. وضد مفهوم الدولة.. وتشويهاً لمفردات الدولة.
وصل الشارع المصرى إلى قمة الغليان. أو قل إن هناك من دفع الشارع إلى قمة الغليان، فيما كانت كتلة أكبر صامتة على المقاعد فى البيوت، لم تكن قد فاقت بعد. وفيما كان الوضع يسير نحو الهاوية.. لم تكن تلك الكتلة قد فطنت بعد لما يجرى على الأرض.. فى الطريق لإسقاط الدولة.
فى 30 يونيو، كانت قد سقطت الأقنعة، وتوارت الوجوه، وبدت السوءات. وقتها نزل الملايين فى الشوارع والميادين استدعاءً لعبدالفتاح السيسى لتخليص مصر من حكم فاشى.. كشف عن أنيابه بعدما اختطف الوطن.
لم يختطف الإخوان البلد وحدهم، وإنما عاونهم بعض من «رموز يناير» تاجروا بالبلاد.. وعرضوها للبيع فى فاترينات السياسة وحقوق الإنسان. لا يمكن أن نغفر يوماً لبعض من شباب طاهر، دخل المعادلة، وزايد، وناضل وحرق، ورفع الصوت، ورفع اللافتات ثم بينت الأيام أنه لا كان طاهر.. ولا يحزنون.
أيام ما يعلم بها إلا ربنا.