تعلم أن الناس كانت تثق فى الرئيس جمال عبدالناصر كل الثقة، لكن ذلك لم يكن يمنعه من أن يشرح ويوضح لهم أبعاد الأزمات والمشكلات التى تواجهها الدولة وخططها فى التعامل معها. فى أعقد الظروف كان عبدالناصر يفعل ذلك.
عشية 9 يونيو 1967 خرج عبدالناصر للشعب وشرح له الموقف كاملاً، وبعيداً عن اختلاف وجهات النظر حول ردود فعل الناس حينذاك على الحدث الجلل الذى هز أركانهم، إلا أن الموقف يثبت أن عبدالناصر كان يشرح ويوضح.
واجب الشعب الثقة فى القيادة، وواجب القيادة أن توضح للشعب وجهة نظرها وخططها فى التعامل مع المشكلات الكبرى التى تواجهه، فى الحدود المسموح بها.
فى أدق الظروف التى عاشها المصريون أوائل السبعينات، كان الناس يطلبون من أنور السادات أن يؤدى كما أدى عبدالناصر بأن يوضح لهم ملامح الصورة، وعندما تباطأ السادات فى اتخاذ قرار الحرب دون أن يوضح للناس الأسباب شعر الكثيرون بالتململ، الكل وقتها كان يعلم أن السادات سوف يحارب، لأنه لا يوجد أمامه أى طريق آخر يسلكه من أجل تحرير الأرض، وأمام الضغط اضطر السادات لأن يؤدى للناس حقها.
بدأ جسر الثقة بين الشعب وأنور السادات فى التآكل بعد نصر أكتوبر 1973، فى مشهد بدا عكسياً افترض معه الكثيرون أن حبل الثقة سيصبح أكثر متانة بين الرئيس والجماهير.
السبب فى ذلك أن «السادات» بدأ يتراجع عن التزامه بتفسير وشرح خطواته للمصريين، لقد تحدث كثيراً قبل 1973 عن الأسباب التى دعته إلى عدم الحرب خلال الأشهر الحاسمة والسنة الحاسمة التى حددها لنفسه لينجز خطوة تحرير الأرض، وأكد باستمرار أن الخطوة قادمة لا محالة، لكنه بعد النصر بدأ يقلل من اهتمامه بتفسير خطواته وتوجهاته للناس، هنالك بدأ جسر الثقة فى التآكل.
كان السادات سخياً فى قراراته التى كان يفاجئ بها الناس، لكنه كان شحيحاً فى شرح أسبابها وأبعادها للناس، ولو أنك راجعت مذكرات وزير خارجية مصر الأسبق محمد إبراهيم كامل حول مفاوضات كامب ديفيد، فسوف تجد أن «السادات» كان يعزف عن الشرح والتوضيح للدائرة الضيقة من المسئولين الذين يعملون معه، وكان يكتفى فى أغلب الأحوال بإعطائهم التوجيهات وفقط.
سواء اتفقت أو اختلفت مع الرئيس السادات فإنك لا تستطيع أن تختلف على حنكته وبصيرته النافذة، لكن هذا شىء وحق الناس فى الفهم شىء آخر، خصوصاً عندما يتصل الأمر بمسائل مصيرية.
يحكى القرآن الكريم أن النبى إبراهيم -عليه السلام- طلب من ربه أن يشرح له الكيفية التى يُحيى بها الموتى «وإذ قال إبراهيم ربِّ أرنى كيف تُحيى الموتى»، فسأله المولى جل وعلا: «قال أولم تؤمن» فردَّ إبراهيم: «قال بلى ولكن ليطمئن قلبى». والقرآن يحكى أن الله تعالى لم يترك نبيه لهواجسه، بل أثبت له الأمر بتجربة عملية.
الثقة لا تتناقض مع حق الناس فى الفهم.