مع كل ذكرى ثورة 30 يونيو نستعيد أياماً ازدانت كل دقيقة منها بمشاعر الصدق والمسئولية. أثبت واقع الأحداث منذ 2013 حتى الآن أن ثورة الشارع المصرى لإقصاء عصابة «البنا»، وإن حدثت جغرافياً داخل حدود مصر، إلا أن تداعياتها الإيجابية ما زالت تتجاوز إلى أبعد من ذلك بعدما انطلقت إرادة الخروج من الغمة لتخلق تنسيقاً عربياً مشتركاً أعاد إلى دائرة الاهتمام خطورة سيطرة التنظيمات التكفيرية على مفاصل بعض دول المنطقة. «30 يونيو» لم تعكس مجرد انطلاق شحنة مشاعر وطنية تجاه مصر.. هى، وفق كل مقومات العقل، إرادة وحّدت شعباً نجح فى الوقوف قوياً ضماناً لاستقرار المنطقة كى تعود مصر سريعاً إلى تحمُّل العبء الأكبر من التحرك السياسى والدبلوماسى لإيقاف نزيف الصراعات الدموية التى اجتاحت بعض الدول العربية منذ 2011.
بكل تلقائية وحماس اندفعتُ لمشاركة الزميلات والزملاء اعتصام وزارة الثقافة، أول شرارة لانطلاق ثورة 30 يونيو، ككاتبة صحفية مقيمة فى القاهرة من عشرات العقود لم تنتبنى خلالها مشاعر الغربة فى وطنى الثانى مصر.. كلمات مثل «إنتى فى بلدك» أو «إنتى بقيتى خلاص مصرية» لها وقع السحر حين تداعب أذنى منذ الطفولة حتى الآن.. معانٍ صادقة لا يسمعها المغترب فى أى بلد آخر، حيث هناك أنت دائماً «ضيف»، لكن الحميمية والدفء الذى يبلغ درجة التوحد مع الناس والشوارع نادراً ما يجده المغترب إلا فى مصر.
التوقف أمام الصورة الكارثية للمنطقة العربية فى حال عدم تماسك واستعادة مصر سيادتها وهويتها الحضارية المدنية سريعاً من مخالب مَن أرادوا تقزيمها إلى مجرد مساحة ضمن أرض خلافة إسلامية! نظرة سريعة الآن إلى خريطة المنطقة تؤكد أن تحرر مصر من أيدى عصابة «البنا» يوم 30 يونيو 2013 ليس مجرد ذكرى نستعيد لحظاتها النبيلة، فالتنظيمات التى اقتبست تجربة جماعة تعتنق عقيدة أنها فقط «أمة المسلمين» وليست «أمة من المسلمين» تملك وحدها حق التكفير واستباحة دماء الأبرياء للأسف ما زالت تسعى للاحتفاظ بمخالبها فى تونس، ليبيا، سوريا، العراق.. إلا أن شعوب هذه الدول استلهمت من انطلاق المواجهة فى مصر بين ميليشيات جماعة مستعدة للمضىّ إلى أقصى مراحل التطرف من أجل حكم مصر ولو على أشلاء أبنائها وتحويلها إلى خراب وفوضى، وبين شعب عليه إكمال الرسالة القوية التى وجّهها للعالم منذ ثمانية أعوام وهو ينقذ بلده.
شعوب هذه الدول سواء، فى العراق منذ انطلاق الحراك الشعبى فى أكتوبر 2019 فى مظاهراته الدؤوبة لتغيير آفات مزمنة أدت إلى ارتباك أمنى وسياسى، أو فى تونس حيث تشوب المشهد السياسى مواجهات بين الأحزاب والتيارات المدنية للتخلص من فاشية حزب النهضة الإسلامى بقيادة راشد الغنوشى، ترى الجهود الدبلوماسية التى تبذلها الإدارة السياسية المصرية من أجل إنجاح مهمة الحكومة الليبية الجديدة والجيش للقضاء على التنظيمات التكفيرية وإعادة الاستقرار إلى ليبيا، الدعم الذى يحققه التقارب المصرى العراقى لتحقيق أجواء استقرار تسمح بقيام عملية سياسية تلبى طموحات الشارع العراقى خلال انتخابات ستُجرى فى أكتوبر المقبل. مراجعة متغيرات المنطقة العربية خلال العقد الماضى تشير، وفق كل حسابات المنطق، إلى ما أكده الرئيس عبدالفتاح السيسى خلال اجتماعه مع وزراء الإعلام العربى أنه «لو كان قدراً لمصر الوقوع تحت وطأة التطرف لتداعت باقى دول المنطقة تباعاً»، لكن الشعب المصرى أبهر العالم بقدرته على التصدى لما كان يحاك لوطنه.
حركة التنسيق المصرى - العربى لم يقتصر تشكيلها فقط على أسس المشاعر، لكن الأهم أنها عكست رؤية سياسية ثاقبة استشعرت حتمية الدور المصرى قوياً ومؤثراً فى المنطقة من أجل تسوية جادة لأزمات ما زالت تعصف بعدة دول بعدما أثبتت التدخلات الأجنبية أنها كانت فى أوقات كثيرة جزءاً من المشكلة وليست حلاً لها. لم تحتمل اللحظة التى جمعت بين استنارة العقل ووهج المشاعر أى تردد فى الانضمام إلى اعتصام وزارة الثقافة.. لننطلق إلى ميدان التحرير ونشارك الحشود المتدفقة تحقيق أمل جديد.