أحاول بالكلمات علّها تداوى بعضا من جروحك وجروحى.. جروح غارت وبات أنين العقل والضمير والروح منها يتعالى، جروح من حالك، حال وطن تمنينا له الحرية فقيدت به حرياتنا..
وطن تمنيناه مقدرا للجمال والإبداع والفن والعلم، فارتفعت به أصوات ظلام الأزمنة السحيقة..
وطن أردناه محبا لعنصرَيْه ومتسامحا مع التنوع والتعدد، وألفينا كراهية الآخر تنتشر بين جنباته..
وطن اعتقدنا أن رغبته فى الديمقراطية والعدالة ستحول دون التخوين والتشويه حين الاختلاف فى الفكر والرأى، وترهات اعتقدنا..
وطن ظننا أن اللاعبين به على كل الحبال والراقصين على جميع الأنغام سينزوون، فإذ هم يملؤون الدنيا صخبا ولا يغيبون..
وطن اتسع لنا ولغيرنا بعد رحيل المستبد، والآن تضيق علينا ساحاته وميادينه وندعى به مجددا للاصطفاف خلف النهج الواحد والفكر الواحد والرئيس الواحد..
وطن أصبحنا نخاف أن ينزع عنا إنسانيتنا ويحول بيننا وبين التعبير الحر عن الفكر والرأى، لئلا يتطاول على عقولنا وضمائرنا وحياتنا بعض صغار النفس والفهم..
وطن أستيقظ وغيرى كل صباح للعمل من أجله ومن أجل رفعته، ويحبط عملنا فى بيئة مفرداتها رفض الحوار والاستقطاب والاستعلاء بلغة حجرية ويافطات متهافتة..
فيا وطنى العظيم.. أخاطبك الآن ضميرا جماعيا ومكانا ثابتا وتاريخ القرون الطويلة..
أناديك أن لا تتنازل عن تسامحك وتنوعك وقبولك للآخر وانفتاحك على الدنيا من حولك..
أن لا تتراجع عن طلبك للحرية والديمقراطية والعدالة..
أن لا ترتضى نزع إنسانيتك..
لتتوهج شمسك وتزيح عنا ظلام القادمين من أزمنة وأد النساء وحرق الساحرات وشنق العلماء..
ليتحدث ضميرك ويعذر صغرنا وضعفنا وخوفنا ويمحو آثارهم من صفحتك..
تماماً كما محيت صفحة المستبد ليتحدث ضميرك وتصفو ضمائرنا فى حضرته طلبا لرفعتك..
ليعلو صوتك وتصمت أصوات الجهل والكراهية والتطرف..
كى لا يبطل الأمل فى مصر الجميلة..
كى لا نرفع الرايات البيضاء هروبا أو انسحابا أو تخليا عن المبادئ أو التحاقا بركب منتصرين ليس لهم ولا لغيرهم الاستئثار والهيمنة والإقصاء.