رغم تكرار وجودى فى نيويورك خلال السنوات الأخيرة بشكل مستمر فى زيارات لأسباب مختلفة، إلا أن هذه المرة جاءت مختلفة، نظراً للظرف الراهن الذى تواجهه الدولة المصرية والمتعلق بأزمة مياه النيل المترتبة على إجراءات الملء الثانى لخزان سد النهضة، وهو ما طغى بوضوح على لقائى مع الجالية المصرية بنيويورك فى اللقاء الذى نظمه النادى الثقافى المصرى الأمريكى برئاسة الصديق المحترم المهندس طارق سليمان، للاحتفال بذكرى ثورة ٣٠ يونيو، حيث لامست هذا الاهتمام المغلّف بالقلق من جميع المصريين فى الولايات المتحدة حول مصير المفاوضات الجارية بين مصر والسودان من جانب، وإثيوبيا من جانب آخر، وبعيداً عن هذا الحوار الذى انتهى بنا إلى تأكيد الثقة فى قدرات الدولة المصرية والرئيس عبدالفتاح السيسى فى إدارة هذه الأزمة بما يضمن عدم المساس بنقطة مياه واحدة من حق مصر التاريخى فى مياه النيل.
الحقيقة أن ما جعلنى أكتب عن هذا اللقاء ولقاءات أخرى جمعتنى بإخواننا المصريين المقيمين فى نيويورك هو ما لمسته من هذه الحماسة والوطنية الطاغية لديهم وخوفهم الشديد من المساس بمقدرات الدولة المصرية، فهم رغم كونهم أمريكيى الجنسية، إلا أنهم معجونون بتراب هذا الوطن، مدافعون عن مصالحه وصورته ضد أى كاره أو شامت، فخورون بكونهم مصريين، ولم تذهبهم هذه الحياة الأكثر حظوظاً بأمريكا، فلن أنسى هذا الرجل المصرى العاشق لبلده نشأت زنفل، الذى وجدته لسنوات متتالية، مرابضاً ومعه مئات المصريين أمام مقر الأمم المتحدة بنيويورك فى استقبال الرئيس عبدالفتاح السيسى، إبان مشاركته فى اجتماعات الجمعية العامة. «نشأت» الذى لم تُغيّره غربة أو تعيد ترتيب أولوياته، فما زالت الأولوية عنده هى مصر، وما دونها لا يساوى شيئاً، أيضاًً المهندس طارق سليمان رئيس النادى الثقافى الأمريكى المحب لبلده حتى النخاع والمحبوب من جموع المصريين فى نيويورك لهدوئه ودماثة خلقه، ذلك الرجل الذى تغلبه دموعه حينما تحدّثه عن مصر، تقابلت مع مصريين كان كل همهم ما بعد ثورة الثلاثين من يونيو ٢٠١٣، هو شرح أبعادها وتفاصيلها وحقيقة ما واجهناه من محاولة اختطاف مصر من قِبل جماعة الإخوان، مما دفع المصريين للخروج بالملايين فى ثورة مصرية خالدة.
تحية إلى هؤلاء الذين وقفوا بجسارة فى مواجهة بعض داعمى الجماعة الإرهابية بالولايات المتحدة لكشف زيفهم وكذب ادعاءاتهم.. تحية إلى رجال وسيدات أبطال كانوا يخوضون حرباً من نوع خاص دفاعاً عن المصريين وثورتهم.. تحية إلى المهندس طارق الديدى المصرى العاشق والإسكندرانى الجدع، والدكتور جبر الديب أحد الوجوه المصرية المشرقة كأستاذ طب بإحدى جامعات أمريكا، والأستاذ محمد الدياسطى، والأستاذ على عطية، نماذج لرجال الأعمال الناجحين، الذين لم تشغلهم أعمالهم عن تقديم كل الدعم للقضايا المصرية، والدكتور العظيم حسام أمين، أحد أشهر علماء الطب والجراحة، والنموذج الذى يجعلك تفخر بمصريتك، والسيدات الفضليات هالة سالم ونجلاء السيد وجاكلين وهدى وراندة وغيرهم الكثير.
كل هؤلاء كانوا جنوداً مقاتلين فى الجبهة الخارجية وجب شكرهم والإشارة إلى أهمية الدور الذى يلعبونه فى واحد من أهم بلدان العالم، والحقيقة أننى أرى أن الظروف ساعدتهم بوجود الصديق العزيز السفير هشام النقيب، القنصل المصرى بنيويورك، وفريق العمل بالقنصلية الذين لا يبخلون بجهد أو دعم لكل المصريين هناك، وتجدهم باستمرار فى تواصل مستمر، لترتيب وتنسيق الجهود الداعمة للدولة المصرية.
مكثت هناك أسبوعاً، كانت خلاله مصر حاضرة فى كل أحاديثنا ولقاءاتنا، وكأن هذا الحبل السرى الرابط بيننا وبين الوطن ليس له طول ولا حدود، يربطنا أينما نذهب ووقتما نتحدث، تلك هى مصر الغالية الحاضنة لأولادها بدفء لن تجده فى أى بلد بالعالم.