مرة أخرى نعود لذات أجواء النقاشات التى تفرّق دون أن تجمّع، والتى تمنح مضللى الفكر والضمير فرصة التمدد بين فئات المجتمع بدعوى التدين، والتى تجذب الأنظار بعيداً عن قضايا هامة نواجهها فى بلادنا وعالمنا بمبرر حماية الدين، بينما القضية من بداياتها تتلخص فى فهم الإنسان لما يقوم به ونيته وعلاقته الخاصة بربه وكيف يتعامل مع أحداث الحياة.
فبعيداً عن حدوتة فيلم «مش أنا» وتعليقات حلا شيحة المترددة بين الحجاب وخلعه، الاعتزال والعودة، العيش حرة أو فى ظل رجل، أجدنى متعجبة -كشأن غيرى- من إثارة القضية على وسائل التواصل بينما هى قضية تخص أفراد الفيلم من جانب، وأعضاء عائلة شيحة ومعز مسعود من جانب آخر! فلا مبرر لتناقل الناس تعليقات حلا شيحة ورد تامر عليها، ثم تعليق والدها على كلامها وردها عليه وكأن كل هؤلاء لا يملكون أرقام تليفونات بعضهم لنقل وجهات النظر، إلا إذا كانوا جميعاً قرروا فضح بعضهم البعض وتشهيد الناس عليهم، وذلك شأن آخر. وبخاصة بعد قضية المايوه البوركينى -الشرعى- الذى قيل إن ابنة سيدة احترفت الحديث فى العلاقات الزوجية وتفاصيلها، قد مُنعت بسببه من نزول حمام السباحة فى أحد التجمعات السكنية وهو ما ثبت كذبه فيما بعد، وكان حديث الناس ووسائل الإعلام بشكل فج منذ عدة أسابيع. أضف إلى ذلك رجوع الحديث عن الحجاب وفرضيته من عدمها والفن وحرمانيته وحلاله، وكأن هناك من يتعمّد أن يتوغل فى المجتمع بأفكار الفتن أو يعيده إلى حظيرة سيطرته باسم الدين أو التدين، ليكون السؤال الدائر بين السُذج من أهلنا هو: «هما بيحاربوا الدين ليه»؟
هنا مربط الفرس، لنعود مجدداً إلى مساحة يوجد بها تجار الدين على كل صنف وملة ليملأوا فراغات فى عقول الناس سببها غياب الثقافة والوعى ويكرروا على مسامعهم أنهم «بتوع ربنا» و«أهل التدين» ومن عداهم غير ذلك. وتلك وسيلة مَن تاجروا بالدين فى بلادى والعالم العربى على مدار سنوات دون كلل أو ملل أو غياب صبر على الزمن، فهم يجيدون تلك اللعبة المتكررة فى كل حقب التاريخ.
بينما الحقيقة واضحة جلية لا تحتاج إلى تفسير ولا خلاف، تظهر كالشمس للجميع مرددة أن إيمانك قضية شديدة الخصوصية بينك وبين ربك لا يعلمها إلا هو، لا علاقة لأحد بها.. فهو المطلع على داخلك فأخلص له النية والعمل، ولا تسعَ لاستعراض إيمانك للناس أو ادعاء المظلومية أو الإيمان الذى عرفناه بأنه ما وقر فى القلب.
فى العام 2015 كتبت مقالاً فى جريدة الوطن كان بعنوان «بين نزع الفهم ونزع التطرف»، ومن قبله كتبت مقالاً حمل عنوان «عمرو خالد والبعث الرابع للإخوان» حذرت فيه من ظاهرة عمرو خالد وأشباهه فى المجتمع -أياً كان تصنيفهم أو مسمياتهم- والتحذير من تغييب عقول أو تجنيدها لإعادة بعث الإخوان وتابعيهم تحت أى مسمى، وخلق التطرف تحت أى مسمى. وعرضت فيه لقصص أرسلها لى من قرأوا المقالين ممن خُدعوا بتلك الشخصيات على مختلف الفئات الاجتماعية. ومظاهر التدين الزائف التى يروج لها أنصار تجارة الدين داخل مصر وخارجها لغسل العقول بذات الطريقة التى يغسلون بها الأموال بينما هى فى الأصل أموال عصابات تسعى لعودة سيطرتها بشكل أو بآخر.
ولكن يبدو أننا بحاجة للتحذير طيلة الوقت.