أستطيع أن أتفهم مسألة التبرك بمرور الأنبياء ووجود الأولياء وأضرحة أهل بيت النبى صلى الله عليه وسلم فوق أرض مصر، كمسألة نفسية عاطفية، تعكس القيمة الأدبية لبلادنا، لكننى بحال لا أستطيع أن أستوعب مسألة الاستناد إليها كسبب من الأسباب أو كعلة من العلل التى تحمى مصر من الجوع والعطش، كما ذهب الشيخ أحمد كريمة فى لقاء تليفزيونى مؤخراً.
فقد سبق وجاعت مصر وعطشت، واضطر أجدادنا إلى أكل القطط والكلاب، بل وتروى حكايات التاريخ ما هو أبشع من ذلك، عندما كان يشح ماء النيل، وربما تذكر أننى حكيت لك طرفاً من هذه الحكايات من قبل، وكانت حينها تحظى بمقامات الأولياء وآل البيت وعطر النبوة وغير ذلك من أمور.
الانتصار فى معارك الحياة أساسه التخطيط العقلانى والتصرفات الواقعية التى تستجيب لمتطلبات علاج المشكلة، وغير ذلك من أحاديث تساق للتبرك والتهدئة النفسية وفقط، وليس للفت النظر إليها كوسيلة لمواجهة المشكلات، لأن هذا الطرح يتصادم مع منطق الدين، بل ومع تجارب الأنبياء والأولياء أيضاً، وهى تجارب مجللة فى أغلبها بالنضال الواقعى والعقلانى من أجل مواجهة مشكلات الحياة.
نبى الله يوسف عليه السلام واجه الجفاف المحتمل فى مصر بالتخطيط ببناء الصوامع وتخزين القمح خلال السنوات السبع السمان التى تدفق فيها ماء النيل بسخاء ورخاء إلى أرض مصر دون أن يحجزه حاجز أو يحول بينه وبين الأرض التى يحبها ويستقر فيها سد.
فى العصر الحديث كانت الأحاديث عن مرور الأنبياء بمصر واستقرار أضرحة الأولياء وأهل البيت متواترة على الألسنة أيضاً، لكنها لم تمنع الوالى محمد على من الاجتهاد فى تأمين منابع النيل فى مصر، فسيطر على السودان وزيلع وهرر، وتوغل فى أفريقيا حتى حدود إثيوبيا، ومن بعده حاول الخديو إسماعيل السيطرة على الحبشة.
كان التوجه فى ذلك الوقت السيطرة على النيل من المنبع حتى المصب، حماية لمصالح الدولة المصرية، وتوازى مع ذلك جملة المشروعات التى شهدتها مصر حينذاك من إقامة القناطر وحفر الترع، ثم كان إنشاء خزان أسوان بداية القرن العشرين، بعدها لم تعد مصر تعانى من أثر الجفاف كما كان يحدث فى الماضى، وانتفى هذا الأثر بصورة كاملة بعد بناء السد العالى عقب قيام ثورة يوليو 1952.
هذه هى الأفعال التى وقعت على الأرض ومن غيرها لم يكن لمصر أن تنجو من خطر الجوع والعطش، رغم مرور الأنبياء وأضرحة الأولياء وأهل البيت بها.
هذه الطريقة فى تناول الأمور ومعالجة المشكلات تتصادم مع العديد من القيم الثابتة فى الإسلام. فالنبى صلى الله عليه وسلم طالب أقرب الناس إليه بالعمل والتقديم لأنفسهم، لأنه لن يغنى عنهم من الله شيئاً، كما أن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة كما كان يقول عمر بن الخطاب، رضى الله عنه.
بصراحة هذه الطريقة فى تناول قضية محورية وجودية لا تسمن ولا تغنى من جوع أو عطش.