مشاهدات عديدة فى الواقع تؤشر إلى حالة من الاهتزاز النفسى أصابت بعض المصريين فأفقدتهم قدرتهم على الثبات الانفعالى فى مواجهة مشكلات الحياة.
الثبات الانفعالى يعنى ببساطة أن يؤدى الإنسان فى المواقف الضاغطة أو غير الاعتيادية بنفس درجة الاتزان النفسى التى يتميز بها فى مواجهة المواقف العادية.
الحوادث التى وقعت مؤخراً وكان أبطالها أزواجاً وزوجات، قام أحدهم بطعن زوجته حتى الوفاة، وقامت إحداهن بطعن زوجها بعد «خناقة بيوت» عادية، ذكرت فى تحقيقات النيابة أنه حاول خنقها فانفعلت وتناولت سكيناً وطعنت به الزوج فسقط قتيلاً.
فى شوارع المحافظات أصبح أهل القرى والأرياف يعاينون مشاهد جديدة كل الجدة عليهم فى التعبير عن البهجة فى الأفراح. سبق وحكيت لك عن مشهد «عبدة الشيطان» الذى أداه مجموعة من الشباب فى المنصورة وتسبب فى مصرع فتاة، حين اشتعل بعض العبدة بالانفعال وأخذوا يطلقون النار من إحدى أنابيب البوتاجاز فطارت فى الهواء وأصابت فتاتين توفيت إحداهما.
مشهد آخر شهدته شوارع الغربية مؤخراً حين قام بعض الشباب الفرحين بنقل أثاث عروس بخلع ملابسهم «الفوقانية» وانخرطوا فى فاصل رقص مرعب وخادش للحياء أثار استياء الأهالى.
على مواقع التواصل الاجتماعى أصبحت العروض والاستعراضات الشاذة التى يقوم بها فتيات وشباب حدثاً يومياً يشعل «التريند» على هذه المواقع، ويدفع وسائل الإعلام إلى الدخول فى الزفة. فعلى الخط الواصل بين فتاة التيك توك إلى فتاة الهوهوز يظهر لك حجم الارتباك النفسى الذى وقع فيه البعض.
هذه المشاهد وغيرها تعبِّر عن حالة من حالات الانفلات النفسى، قد يكون السبب فيها ضغوط الحياة -بشقيها النفسى والمادى- كما يظهر فى الجرائم الأسرية التى تكاد تصبح من الجرائم اليومية فى مصر، أو الرغبة فى إثبات الذات، كما هو الحال فى مشاهد الشباب العرايا أو عبدة الشيطان، فالإحساس بالإهدار قد يفقد النفس ثباتها الانفعالى، أو الرغبة فى تحقيق المال، كما هو الحال فى عروض واستعراضات بعض الفتيات والأزواج والزوجات على مواقع التواصل.
ثمة أمران خطيران فى هذه المسألة: الأول أن فقد الثبات الانفعالى يتمدد داخل حياتنا من يوم إلى آخر، ليحتل مساحات جديدة، ويظهر له أبطال جدد إذا رآهم الشخص فى أحوالهم الطبيعية فإنه لا يتوقع مطلقاً أن يأتوا بالسلوكيات الغريبة التى أتوا بها أو يوقعون أنفسهم فى المشكلات التى وقعوا فيها.
أما الأمر الثانى فيتعلق بالقاسم المشترك الأعظم الذى يجمع ما بين أبطال الحوادث والأحداث التى تشهد على غياب الثبات الانفعالى، فكلهم فى عمر الشباب، وهم أيضاً متنوعون على مستوى الجنس (ذكور وإناث)، وعلى مستوى التعليم (منهم الحاصل على شهادات جامعية والمتعلم تعليماً متوسطاً)، ومنهم من يعيش فى الريف ومنهم من يعيش فى الحضر.
نحن أمام ظاهرة شبابية متمددة أساسها تلك الفجوة التى أحدثتها تكنولوجيا التواصل الاجتماعى ففصلت ما بين جيل الكبار المسئول عن التربية والتوجيه وجيل الشباب الذى دهسته الحياة ومشكلاتها، ففقد اتزانه النفسى ولم يجد من يعيده من جديد إلى دائرة الثبات الانفعالى.