نصف الحياة ونصف الموت.. هو خلاصة حوار فلسفى بين مجموعة من الأطباء تذكر فيه الجميع الزمن الجميل فى حب عباس العقاد وجبران خليل جبران، «مى»، فكتبا فيها أعظم الأشعار.
لا تجالس أنصاف العشاق، ولا تصادق أنصاف الأصدقاء، لا تقرأ لأنصاف الموهوبين، لا تعش نصف حياة، ولا تمت نصف موت، لا تختر نصف حل، ولا تقف فى منتصف الحقيقة، لا تحلم نصف حلم، ولا تتعلق بنصف أمل، إذا صمتّ، فاصمت حتى النهاية، وإذا تكلمت، فتكلم حتى النهاية، لا تصمت كى تتكلم، ولا تتكلم كى تصمت.
إذا رضيت فعبر عن رضاك، لا تصطنع نصف رضا، وإذا رفضت فعبر عن رفضك، لأن نصف الرفض قبول، النصف هو حياة لم تعشها، وهو كلمة لم تقلها، وهو ابتسامة أجّلتها، وهو حب لم تصل إليه، وهو صداقة لم تعرفها، النصف هو ما يجعلك غريباً عن أقرب الناس إليك، وهو ما يجعل أقرب الناس إليك غرباء عنك.
النصف هو أن تصل وألا تصل، أن تعمل وألا تعمل، أن تغيب وأن تحضر، النصف هو أنت، عندما لا تكون أنت، لأنك لم تعرف من أنت، النصف هو ألا تعرف من أنت، ومن تحب ليس نصفك الآخر، هو أنت فى مكان آخر فى الوقت نفسه.
نصف شربة لن يروى ظمأك، ونصف وجبة لن يشبع جوعك، نصف طريق لن يوصلك إلى أى مكان، ونصف فكرة لن يعطى لك نتيجة النصف هو لحظة عجزك وأنت لست بعاجز، لأنك لست نصف إنسان.أنت إنسان وُجدت كى تعيش الحياة، وليس كى تعيش نصف حياة، ليست حقيقة الإنسان بما يظهره لك، بل بما لا يستطيع أن يظهره، لذلك إذا أردت أن تعرفه فلا تصغ إلى ما يقوله، بل إلى ما لا يقوله.
«كلام فلسفى أكتر منه واقعى»، حاولى كده أن تطبقى الكلام ده على نفسك مش حتعرفى، هل حقيقة انتِ عايشة نص عيشة ولا عيشة كاملة؟قصة حياته غريبة، كتاباته كانت كلها ملائكية وشخصيته كانت منفردة ونادرة، ولذلك جاءت كتاباته كلها تعبر عن هذه الشخصية وتجربتها فى الدنيا، أوليس هو القائل: أعطنى الناى وغنِّ وانسَ داء ودواء، إنما الناس سطور كتبت لكن بماء.
عندما أقرأ لجبران أتذكر شخصيته وأفهم ما الذى يقصده لا أقرأ كتاباته ككل الكتابات، كان متأثراً بترانيم الكنيسة والشعر والأدب وهاجر مع نصف اللبنانيين الذين هاجروا وكتب أعظم قصائده فى المهجر، فيما أظن أنه لم يعد إلى لبنان وأرجو ألا أكون خلطت بينه وبين شاعر لبنانى آخر فى نفس زمنه وكلاهما كان فى زمن العقاد ونازك الملائكة!هناك إيليا أبوماضى فى نفس الوقت، أقرأ له من منظور مختلف، هو ليس ككل الكُتّاب، هو من أحبّ الشاعرة «مى» وأحبته، أدباء المهجر اللبنانيون لو قرأتِ كتاباتهم ستجدين الحزن الدفين فى كل أشعارهم وقصصهم؛ لأن ثمن الهجرة غالٍ وأدبهم بكاء رحيل عن وطن وخوف دخيل من اللا وطن!من أولى ثانوى إلى ثالثة ثانوى التهمت كل كتب مكتبة الروضة الجميلة التى أتمنى أن تكون ما زالت باقية، «مى» هل هى التى أحبها العقاد وكتب فيها أعظم أشعاره، كانت بينهما قصة حب غريبة لا أتذكر تفاصيلها الآن، لو قرأتِ أشعار العقاد فيها لاندهشتِ من انكسار هذا العملاق الأسوانى أمام نظرة عين منها؟!كانت مصر والعالم العربى يعيشون أعظم فترة نهضة أدبية وعلمية وزمن عباقرة الأمة العربية التى فجأة ازدهرت مع ثورة يوليو وانتكست وماتت مع نكسة يونيو وختمها «نزار» بقصيدته الشهيرة لجمال عبدالناصر «قتلوك يا نبى العروبة» أو تعبير مشابه لذلك، الصور طبعاً لا يمكن أن تعبر عن وصف الجمال الذى تشاعر فيه الشعراء كلٌ يغنى على ليلاه؟مع الاختلاف فى أن تكون دلالة الكلمات كما فسرها هو فنصف الطريق لو عانق نصفه الآخر لاكتمل مراده ومبتغاه؟إذا أدركت هذه الحقيقة كثير من نواحى الحياة ستتغير للأفضل والأصدق والأوقع، وهل قال جبران، حين يكمله الآخرون؟!أى حقيقة؟ كلمة الحقيقة والفلسفة لا يجتمعان! فالفلسفة هى التدبر فى كل ما لا نستطيع إثباته علمياً مثل القيم والأخلاق وسر الوجود والموت وما بعد الموت، إلخ.لذا اصطدمت الفلسفة مع الأديان، عقلى لا يقبل الفلسفة ونصف الحياة ونصف الموت نصف الحقيقة وكل ما صاغه جبران، عفواً، عقلى مبرمج على التفكير العلمى وليس الفلسفى.
ليس تهريجاً وإنما الحقيقة الكاملة لن يبلغها كل البشر من حواء إلى آخر إنسان على سطح الأرض سنعيش ونموت ولن نعرف الحقيقة فتلك غاية خلق الخالق للمخلوق أن يتفكر فى ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من بشر وحجر وشجر ثم يهتدى إلى أن الحقيقة الوحيدة الخالدة أن الله خلقنا ومن معجزات خلقه أن نكون أعظم المبتكرين والمخترعين والأدباء والشعراء والمفكرين، وأزمتنا الوحيدة أنه خلق بداخلنا الحنين لأرض آدم وحواء الأولى بلا ذنب ولا عقاب، وإنما ثواب فى ثواب الحنين المغروس فينا للجنة هو الذى يجعلنا نشعر بسعادة غريبة حينما ننظر لحديقة وهى جنة الأرض أو ماء البحر الأزرق لأن عرشه كان على الماء، أو جمال سُحب السماء لأننا نشتاق لبلوغ السماء كما بلغها إدريس وعيسى ومحمد، سنعيش ونموت ونحن نشتاق لجنة آدم وحواء، ومنا من يتصورها خمراً وسكراً ليحلم بأن فى السماء أو يتعبدها ركوعاً وسجوداً لكى يرقى فى عنان السماء كما ترقّى فيها إدريس وعيسى ومحمد، ولذلك كان التحدى من لم يرضَ بأرضى وسمائى فليبحث عن رب سواى، أو كما ذكرت الآية فليرتقِ سلماً إلى السماء! إنه الاختبار الذى ولد فينا وولدنا من أجله!بجد إنها متعة التعرف على شخصيات كل من نتناقش معهم، كيف يفكرون، كيف يناقشون، كيف يتفاعلون مع المختلف وغير المألوف؟ المختلف (على جماله وتفرده) دائماً مظلوم ويعانى الإقصاء نتيجة قوالب المألوف، كان «جبران» مختلفاً، كانت «مى» مختلفة، فى ظلمهما عصرهما وأنصفهما ما بعد عصرهما، وهذا حال المتفرد.لن تكتمل حياة الإنسان كاملة عن رضاء منه بأنها كاملة إلا بالوصول للحقيقة الكاملة!
كل كمال إلى نقص، من سنن الله فى الحياة أن الشىء إذا بلغ كماله أخذ ينقص، وأن الأمر إذا وصل منتهاه آذن بالزوال، وكلما ارتفع شىء إلى أوجِّه بدأ يرجع إلى أصله: فالقوة إلى الضعف، والرقى إلى الانحطاط، والكمال إلى النقص، والغاية إلى الآفة، والغنى إلى الفقر، والسرّاء إلى الضراء، والسلامة إلى الداء.وهذه السنة مطردة عامة، فللناس فيها أقوال وأمثال، وللشعراء أبيات وقصائد، وللحكماء حكم ومأثورات، تناقلها الناس، وحفظتها بطون الكتب.
فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الناس لم يرفعوا شيئاً من هذه الدنيا إلا وضعه الله عز وجل، ويقول المثل الفارسى لكل ارتفاع ضعة، قيل لأعرابى كيف حالك؟ فقال ما حال من يفنى ببقائه، ويسقم بسلامته، ويؤتى من مأمنه، ويقول العرب: من بلغ غاية ما يحبّ فليتوقع غاية ما يكره، ويقولون كلما أقام شخص، وكلما ازداد نقص، وقال الراجز: أسرع فى نقص امرئ تمامه.
حقيقى استمتعت بما قرأت من حوار من كل من أدلى برأيه فيما كتبه جبران خليل جبران المشهور جداً فى أوروبا، حيث إننى عندما كنت طالباً وسافرت فى السبعينات وجدت من يسألنى عن هذا الشاعر من الطلبة الهولنديين وخلاصة قوله كما فهمت أنا وأرجو أن تصحح فهمى شهاب، كن نفسك لا تكترث بآراء الآخرين أو طريقتهم فى الحياة ما دمت تعرف طريقك ولا تدع الآخرين يرسمون لك كيف تفكر، تتكلم أو تعيش، هل ما فهمته صح؟