لا يكاد حدث من أحداث التاريخ يخلو من مسألة البحث عن فوطة.. ولا تعدو «الفوطة» أن تكون طرفاً -فرداً أو مجموعة أفراد- يتم تعليق مسئولية وقوع حدث ما فى رقبته.
لقد بدأت الرحلة مع هبوط آدم على الأرض ليعيش شقياً طريداً فوق ترابها.. ومع أول لحظة وجع أو معاناة قاسى منها الإنسان كان يعلو صوت بنى آدم قائلين: «لولا الشيطان كان زماننا فى الجنة».
عندما زالت دولة «بنو العباس» التى مكثت تحكم مَن حولها من المسلمين قروناً طويلة، علت أصوات الناس بالقول: «لولا ابن العلقمى لدام الملك وبقيت الدولة».. ومؤيد الدين بن العلقمى هو وزير الخليفة المستعصم، وتحكى كتب التاريخ أنه خان ولى نعمته ووالس على الدولة، ومهد الطريق أمام التتار لتسقط بغداد فى أيديهم.
عندما قامت الثورة العرابية عام 1882، تمكن الإنجليز من هزيمة المصريين فى التل الكبير، وفر عرابى إلى القاهرة وسلم نفسه للغزاة، وانتشر الخبر بين الناس، فإذا بهاتف يهتف بينهم: «الولس كسر عرابى»، فتشارك الكل فى الهتاف، وقالوا إن السر فى هزيمة عرابى هو «ديليسبس» الذى خان الزعيم، حين سمح للإنجليز بالمرور من قناة السويس، والخديو توفيق الذى سمح باحتلال مصر لحماية عرشه، وخنفس باشا الضابط الذى ضحك على عرابى وأخبره أن الإنجليز لن يتحركوا على خلاف الواقع، فإذا عرابى يفاجأ بجنود الاحتلال يقفون فوق رأسه.
تواصل خط البحث عن فوطة حتى أحداث تاريخنا المعاصر، فتجد البعض يبرر نكسة 1967 بتواطؤ الإمبريالية الغربية مع الصهيونية العالمية مع الرجعية العربية لهزيمة القومية العربية.
والمضحك فى الأمر أن التيارات المتأسلمة تفسر هى الأخرى هزائمها بثلاثية شبيهة، فيتحدثون عن أن العالم كله يتآمر ضدهم: الإمبريالية الغربية والصهيونية العالمية والشيوعية الحاقدة.
دخول التتار بغداد كان سيحدث، حتى ولو كانت شخصية «ابن العلقمى» غير موجودة من الأصل، وهو ما ينطبق على دخول الإنجليز إلى مصر، ودخول الصهاينة إلى سيناء، والهزائم المتكررة لمن يدفعون بالدين إلى حلبة السياسة. هذه الأحداث جميعها وقعت لأسباب موضوعية يتعامى عنها الإنسان بسبب رفضه النفسى لقبول الخسارة، بالإضافة إلى ولعه بالتبرير، وضيقه بمحاولة التفسير.
يستسهل البشر البحث عن أقرب أسباب اختزالية ظاهرة فى تفسير أى انكسار أو هزيمة أو إحباط، ولا يتعبون أنفسهم فى البحث عن الأسباب الحقيقية لها، لأنهم ببساطة لا يحتملون الحقيقة.
الإنسان يريد والله تعالى يقدّر «وما تشاءون إلا أن يشاء الله».. فالأحداث تتحرك بإرادة الإنسان وأدائه، فإذا حسن الأداء حسنت النتائج، وإذا ساء ساءت، وعليه حين يفشل أن يراجع بأناة وعقلانية الأسباب التى أدت إلى النتائج السيئة.. وعليه أيضاً ألا ينبهر بنجاح غيره فيضعف، لأن غيره هو أيضاً أسير للفوطة.. وقد تأتى عليه لحظة هزيمة.. والأيام دول.
النجاح هو لحظة تحرر من الفوطة وإعمال للإرادة الفردية وحسن الأداء.. كما أن الفشل لحظة يخور فيها العزم، ويقل التركيز، ويسوء الأداء فتسوء النتائج.