قرابة العام ونصف، اجتاحت فيها «كورونا» العالم، تحوّل معها «العالم الافتراضى» إلى واقع، أصبحنا جميعاً أسرى «الشبكة العنكبوتية»، من مَلّ «تويتر» يذهب إلى «الفيس بوك»، ومن ضجر من «الفيس بوك» يتجه إلى «كلوب هاوس».. وتحولت الصور والكليبات من نجوم المجتمع إلى الجماهير العادية التى احترفت نشر صور كليبات على إنستجرام ويوتيوب وتيك توك.. الكل رفع شعار «كيف تكون مؤثراً؟»، ودخل ماراثون الهاشتاج والتريند وتحقيق الدخل بالدولار، مما اضطر النجوم إلى الوجود بكثافة أيضاً.
فى القلب من هذه السيولة الاجتماعية ستجد على مسرح العالم الافتراضى الفيروس الأشهر وهو «الفتاوى المتطرفة» ورموز التخلف والرجعية والجمود الفكرى، ستجد كل ما تشتهى من «فضائح».. لكنك ستكتشف فى قلب التفاعلات الساخنة أن «الإنسان» هو البطل، وهو المحرك الرئيسى للأحداث: من حملة (إلا رسول الله يا فرنسا، مروراً بوقائع التحرش، حتى تصل إلى فتيات التيك توك).. سوف تكتشف أن هناك معركة طاحنة بين تيار الإخوان والجماعات التكفيرية من جهة وتيار التنوير والإصلاح على الجبهة الأخرى.. بينما لديك «مواطن مجهول» يبحث عن الشهرة، يتربص بالجميع ويتحين اللحظة التى يرفع فيها سيف المادة 98 (المعروفة اصطلاحاً بمادة ازدراء الأديان).
لقد شهدت مصر كل أنواع الحسبة (سياسية واجتماعية ودينية وفنية.. إلخ)، وحين أصبح مشروع «المحتسب بالله» مهدداً للسلم الاجتماعى.. وأصبح للحسبة نجوم منهم الشيخ «يوسف البدرى» والمحامى «نبيه الوحش».. وبعدما جاء القانون رقم 3 لسنة 1996 بشأن تنظيم إجراءات مباشرة دعوى الحسبة فى مسائل الأحوال الشخصية، والذى قصر رفع الدعوى فى مسائل الأحوال الشخصية على وجه الحسبة على «النيابة العامة» وحدها دون غيرها، وحسبنا أننا تخلصنا من دعاوى الحسبة إلى الأبد، لكن للأسف المادة «98» من قانون العقوبات تحولت إلى سيف مسموم فى يد «كل من هب ودب»، لأنها مادة معيبة، أولاً تتعارض مع دستور البلاد، فالمادة «٦٥» من الدستور تنص على أن (حرية الفكر والرأى مكفولة، ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه بالقول أو الكتابة أو التصوير أو غير ذلك من وسائل التعبير والنشر).. بالإضافة إلى أن الأحكام الأخلاقية متغيرة من طبقة اجتماعية ومستوى ثقافى إلى آخر، حتى إننا شعب يختلف تقديره للأخلاق حسب نوع المايوه الذى ترتديه المرأة، وتختلف رؤيته للدين حسب الزاوية التى ينظر منها: هل اللحية تدين أم شكليات؟.. هل النقاب تزيُّد فى الفضيلة أم زى يهدد الأمن القومى؟.. هل رقص البنات واللبس على الموضة حرية أم خدش للحياء العام يتضمن إيحاءات جنسية وتحريض على الفسق والفجور؟.. وهكذا تُستدعى باقى قانون العقوبات، لأن المسافة ما بين النقاب والرقص ملغمة بفتاوى التحريم ومتاريس التجريم وسجينة كتالوج من تصميم «حراس الفضيلة» للتدين الشكلى والملبس الشرعى وفوائد البنوك ووضع الوردة بدلاً من صورة المرأة فى الانتخابات النيابية!
فى هذا البلد تم الحكم على المحامى «نبيه الوحش» بالسجن ثلاث سنوات وغرامة 20 ألف جنيه، بعد إدانته «بالتحريض على اغتصاب الفتيات» لارتداء الجينز الممزَّق.. وفى هذا البلد نفسه يمكن أن تُسجن فتاة بسبب ارتداء «الجينز الممزَّق»!!.. هذا التضارب والتناقض الرهيب يحكمه «المحتسب بالله» الساكن تحت جلد المجتمع أو فى خانة ضيقة على الإنترنت ليفرض وصايته.. وينتهك حرياتنا باسم الفضيلة!.