يقال إن الصينية القديمة هى أوّل لغة كتبتْ على ظهْر الأرض. ويقال أيضاً إن فرعاً من الصينية القديمة كان اللغة الأولى أيضاً التى تكلّم بها الإنسان، لما بدأ الكلام على كوكب الأرض.
كلها افتراضات، وكلها نظريات.
الإنسان يفكر باللغة، لذلك تختلف مفردات اللغات كما تختلف اللغات. وتختلف أفكار الشعوب طبقاً للغة واللكنة وطريقة الكلام.
لكن ربما لأن الصينية هى اللغة الأقدم، فإن الحروف الصينية هى الأصعب.
والصينية صعبة فى الكتابة وفى الكلام، والسبب فى تبريرات علماء اللسانيات أن الصينيين الأوائل بدأوا الكتابة برسم ما يودّون أن يقولوه.
مثلاً: رسموا دائرة مفرغة داخل صندوق، لما يريد أن يقول: ضع ثمرة الشجر داخل الصندوق.
ورسم خط مائل ممدود منه خطان أفقيان، معناه أن هناك شخصاً يريد أن يُبلغك السلام، والخطان الممدودان أفقيّاً، معناهما أنه فاتح يديه لاحتضانك!
وفى اللغة القديمة لأبناء اليابان والشرق الأقصى، قلّدوا أصوات البحر للدلالة على البحر، وأنهم كانوا عندما يريدون الإشارة إلى شجرة، فإنهم كانوا يقلّدون صوت «حفيف أوراقها».
ثم أصبح اسم الشجرة، فى اللغة، مجرد تقليد لصوت «الحفيف»!
لذلك يسخر الأمريكى من أسماء الصينيين فيقول: ارمِ العملة أرضاً وسمِّ ابنك على اسم الصوت الذى يصدر منها!
وفى العصر الحديث ظهَرَ ما يسمى بعلوم فيزياء اللغة. وفقاً لذلك العِلم الغريب، درس علماء اللسانيات علاقة اللغة بحركات الظواهر الطبيعية. فظهرت فى اللغات مفاجآت، ومن تحليل اللغة اكتشفت أعاجيب.
فى اللغة العربية مثلاً كثير من مقلوبات الأفعال والمفردات، تدل على عكس الفعل. وهذه أمثلة: فعل رهن، وهو حبس الشىء وتقييده، معكوسه اللغوى: نهر.. يعنى انسياب الشىء وجريانه.
كلمة شعر، منها شعر الرأس، ومنها المشاعر. وتسمية الشعر هى التى اتخذوا منها كلمة تشير إلى الأحاسيس.
لماذا دللوا بشَعر الرأس على الشعور؟ أو المشاعر؟
يقولون لأن فى شعر الرأس أكثر مستقبلات المشاعر. لو لمست شعر رأس زميلك بلطف وبطرفة إصبع.. فسيشعر بها كما لو يشعر بضربة شاكوش.
أما الفعل «حبس» فهو منع الشىء من الحركة ومن التجول، ومقلوبه اللغوى: سبح أى انساب وجرى ورحل وتنقل بيُسر.
وتقول العرب: السباحة فى الماء، والسير على الأرض. لأن فى السير على الأرض يبدو ثقل الجسم ظاهراً، لكن السباحة فى الماء يُبدى فيها الإنسان من المرونة والخفة أكثر.
واللغة أحياناً ما تكون سبباً لمشكلات كبرى... وسوء فهم. مثلاً: العياط فى مصر من الحزن ومن البكاء، بينما فى لبنان وسوريا والشام العياط من النداء. النداء على أحدهم يعنى: تعيط عليه.
وفى القاهرة الحسّاس هو اللطيف المشاعر والرقيق، لكن فى المغرب، لو وصفت أحدهم بالحسّاس فقد وصفته بأفظع الألفاظ.
حكى الرائع الراحل محمود عوض، أن الراحل فريد الأطرش بعد إحدى حفلاته فى المغرب، كان قد حضر الملك الحسن، وصافح فريد الأطرش، وأثنى على صوته وكلمات الأغنية، فما كان من «الأطرش» إلا أن شكره، قائلاً: جلالتك اللى حسّاس يا جلالة الملك. واتكهرب الجو، لأن الحسّاس معنى شديد القذارة بلغة الشارع هناك.
و«اتنشلت» بالعراقية الدارجة، يعنى أصابك البَرد. وفى تونس، لا يمكن أن تجد أحداً اسمه الزامل، لأن الزامل فى تونس، كالحسّاس فى المغرب، والراجل الراجل، لا يمكن أن يكون حسّاساً ولا زاملاً!
وفى تونس كلمة الطابور لها لفظ لو نطقته فى مصر، فمعناه أنك داخل خناقة بالضرورة، وفى تونس لو دخلت مطعماً وطلبت «طحينة» فأنت الجانى على نفسك، لأن الكلمة هناك معناها فى غاية قلة الأدب!
والاختلافات فى اللغة إشارة إلى الاختلاف فى طريقة التفكير. فرُغم أن كلنا عرب، فإن لكل دولة لهجتها وكلامها الدارج، كما لها طريقتها فى الرقص، وطريقتها فى الغناء، وطريقتها أيضاً فى الملابس وفى العادات.
المعنى أننا لا نفكر كلنا بالطريقة نفسها، لكن فى الغالب لدينا المبادئ نفسها كعرب.