قبل أن تنتهى امتحانات الثانوية العامة الأسبوع الماضى كان أولياء الأمور يشتكون من عدم وجود فرص لأبنائهم فى مراكز الدروس الخصوصية للعام المقبل، فمعظم «السناتر» اكتملت وأغلقت أبوابها.
الدروس الخصوصية بدأت أول أغسطس لجميع مراحل التعليم، من رياض الأطفال والابتدائية حتى الثانوية والجامعة، وهى مشكلة كل بيت، الغنى والفقير، والوزير والخفير، طلاب المدارس الحكومية والخاصة والدولية والأزهرية وحتى كليات القمة، وتستنزف ميزانية الأسرة المصرية. كتبت عشرات المقالات فى ذلك، كان وما زال عندى أمل فى القضاء على هذا السرطان، الذى ينهش فى جسد الوطن، فمراكز «سناتر» الدروس الخصوصية فى كل شارع وحارة، وتحتل عمارات كاملة، ومكيفة الهواء، ومزودة بشاشات ومكبرات صوت وأجهزة حديثة للحضور والانصراف (البصمة). عدد طلبة «السنتر» أضعاف الفصل المدرسى، ومع ذلك فالطلاب يفضلونه ويكرهون المدرسة.. لماذا؟
أما الكارثة الحقيقية فإنها قضت تماماً على دور المدرسة وهيبة المدرس الذى أصبح سلعة يشتريها الطالب بأمواله، كما قضت على منظومة القيم والأخلاق التى كانت تغرسها المدرسة فى نفوس الأطفال منذ الصغر، ودمرت الأنشطة التى تُشكل وجدانهم وتكتشف مواهبهم، وتغرس فيهم قيم الولاء والانتماء للوطن ولا تسمح للطالب بالاستمتاع بحياته، فالعرض مستمر، قبل أن تنتهى الامتحانات تبدأ الدروس للعام التالى، ومعها تبدأ معاناة أولياء الأمور. وأصبح لدينا أجيال لا تعلم تاريخ بلدها وقيمته وقامته، وربما لا تعلم شيئاً عن النشيد الوطنى. محاولات كثيرة وتجارب عديدة لإصلاح حال التعليم كنت أتمنى أن تؤتى ثمارها على الأقل فى إنقاذ الأهالى من وباء الدروس الخصوصية، ولكن الواقع يقول إن طلاب مصر كلهم فى السناتر قبل شهرين من بداية الدراسة، وسوف تظل المدارس خاوية رغم الأموال الضخمة التى تنفقها الدولة من الموازنة العامة. مقار مراكز الدروس الخصوصية معروفة، وإعلاناتها فى كل مكان وعلى مواقع التواصل الاجتماعى، وأحياناً يتستر عليها موظفو المحليات، والدولة قادرة على إغلاقها ومحاكمة أصحابها، ولكن أين البديل؟ فالأهالى والطلاب يرونها الحل فى ظل غياب دور المدرسة. وزير التربية والتعليم منذ أربع سنوات تقريباً أعلن عن خطة لتطوير التعليم، تهدف إلى بناء شخصية تجمع بين الهوية الوطنية والخصوصية الثقافية، وتقديم أنشطة متعددة تعمق ثقافات المواطنة والانتماء والثقة بالنفس وقبول الآخر، وإعداد شاب ناقد مبدع مبتكر قادر على حل المشكلات، وأيضاً ربط التعليم بسوق العمل. فهل الخطة التى أعلنها الوزير آتت ثمارها، وإذا كان غير ذلك فأتمنى تصحيح مسارها، لأن الوقت ليس فى صالحنا، والأمر يتعلق بمستقبل الوطن وأمنه القومى. كما أن إصلاح التعليم وعودة المدرسة لدورها بمثابة دعم نقدى كبير من الحكومة للمواطنين، يتمثل فى توفير آلاف الجنيهات التى ينفقونها على الدروس الخصوصية. وسوف يظل مجموع الثانوية العامة وكليات القمة سبب أزمة التعليم فى مصر، ولن ينصلح الحال إلا بإعطاء التعليم الفنى والتكنولوجى أقصى اهتمام. أكرر طرح بعض الأفكار غير التقليدية لحل الأزمة، منها الاستعانة بالقائمين على الدروس الخصوصية فى إدارة العملية التعليمية، لأنهم بالفعل كفاءات ولديهم أفكار إبداعية، ولكن فى الطريق الخطأ، كما يمكن أن يسهم أولياء الأمور مع الدولة ببعض المبالغ لتطوير العملية التعليمية وتحسين أجور المدرسين، والله الموفق والمستعان.