كنت جالساً بجوار فضيلة الشيخ خالد الجندى عندما وصلته عدة نسخ من كتاب «أشعرىٌ أنا.. مداخل ومسائل» للدكتور محمد سالم أبوعاصى، الأستاذ بجامعة الأزهر، أهدانى الشيخ الجندى نسخة من الكتاب، ولم يكتفِ بذلك، لكن اللافت أنه بادر بالإعلان عبر صفحته الشخصية على «فيس بوك» عن استعداده لتوصيل الكتاب مجاناً لكل من يطلبه.. وقد فعل إلى أن نفدت النسخ كاملة.
يشير الدكتور أبوعاصى فى كتابه إلى دور الإمامين أبى الحسن الأشعرى وأبى منصور الماتريدى فى تأسيس المدرسة الوسطية المعتدلة الواعية لما تعتقد والتى اصطلح على تسميتها بأهل السنة والجماعة امتداداً لجهد المسلمين الأوائل ممن حرصوا على تحرير العقيدة الإسلامية من اللبس أو الشوائب أو المفتريات.
ويكشف الدكتور أبوعاصى أن أسباباً سياسية -لا صلة لها بالعلم- أفرزت على امتداد الزمن مَن راحوا يدّعون فى أمور العقيدة مزاعم هشة ومرئيات تعانى ضعف الفكر والتسطيح فى الممارسة دون إدراك، ومن هؤلاء تبلورت المدرسة السلفية التى من خلالها انزلقوا فى تعاملهم مع نصوص الوحى، وخرجت منهم سقطات أصابت العقيدة فى الكبد، وفى المقابل تصدى الأشاعرة والماتريدية لتفنيد الأفكار السلفية التى اختلط فيها الحق بالباطل، وإبراز أوجه اللبس فيها، ونفى الخبث الفكرى الناجم عن إهمال قوانين اللغة التى هى لسان الوحى.
الكتاب الذى يمكن وصفه بأنه درس وجيز وخطاب واضح لعامة المثقفين يوضح أصول وقواعد أهل السنة والجماعة أصحاب المنهج المعتمد على العقل والنقل سواء بسواء، وبموضوعية مجردة وبتحليل علمى يتقبله العقل، ويناقش بعض المزاعم -السلفية- وما يصفه بالأفكار المصابة بالهشاشة.
وهنا يقول الدكتور أبوعاصى: إنه فى هذا العصر، عصر التأصيل والتحصيل والتحقيق والتدقيق والتحرير العلمى والتوثيق، لم يعد هناك مكان لدعىًٌ يقول: إننى مُجاز من فلان المتسلف أو قرأت على شيخى كتاب كذا أو شافهنى فلان بكذا، وإنما المكان والمكانة لمن انتظموا فى مسلك العلم فى أحضان الأزهر الشريف، وهم قادرون ببحوثهم ودراساتهم على إسقاط الأصنام التى اصطنعتها فئة مسطحة تفتقد العلم والعمق والمرونة العقلية، وهؤلاء من المتسلفة الذين لا يجدون إلا التبديع والتفسيق، وربما التكفير والتحريم.
الكتاب القيّم يطرق أبواباً مهمة تضع النقاط فوق الحروف فى قضايا أثارت -وما زالت- كثيراً من الجدل مثل: «العقيدة بين منهج الأشاعرة وسطحية النزعات المتسلفة» و«ماهية العقيدة الإسلامية» و«أصول الإمام الأشعرى فى تقرير مسائل الاعتقاد»، وغير ذلك من الموضوعات.
قرأت الكتاب وعرفت لماذا بادر الشيخ خالد الجندى بتوزيعه مجاناً لمن يريد حتى محل إقامته، خاصة بعد أن نسب الدكتور أبوعاصى الفضل لأهله قائلاً: انبثق عنوان هذا الكتاب «أنا أشعرىٌ» من تربة فكر الشيخ الجندى، عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية.
الكتاب يتسق تماماً مع المنهج الوسطى المعتدل للشيخ الجندى الذى أراه يتفق مع الكثيرين من علماء الأزهر، لكنه يتميز بشجاعة الطرح والمواجهة، ولا يخضع لابتزاز شخص، ولا يتجمد أمام نص، وهو من أبرز المبادرين بتجديد الخطاب الدينى فى مواجهة الخطاب السلفى التكفيرى المعادى للعقل.