من أقسى المشاعر التى تؤلم أصحابها وتقلقهم وتؤذى أجسادهم ووظائفهم الحيوية وتصيب أطباءهم بالحيرة من ذلك الهجوم المرضى الشرس الذى يعانون منه فجأة دون مقدمات وبلا أسباب تفرض عليهم الاستعانة بالأدوية والعقاقير أن يكتشف أحدهم فجأة وبلا سابق إنذار أنهم سرقوا أحلامه أو بمعنى أوضح وأبسط وأقرب للفهم والاستيعاب والإدراك أنه لم يعد لديه ما يريد أن يزوره فى لياليه وينتظره ويهفو إليه، سواء أشخاص أو أماكن، أو حتى ذكريات أو صور قديمة باهتة اللون من عوامل الزمن والمناخ وتقلباته، فأن تضع كل هؤلاء فى درجات حرارة تحت الصفر دون أن تمتد لها يدك أو عيناك أو عقلك لتعيد ترتيبها وتمدها بحرارة الحياة وحيويتها، أو تُخرج بعضها للضوء وتحتفظ بالآخر بعيداً عن العيون وتنتظر الوقت المناسب لتخرجها فهو موت مؤقت أو سرقة للأحلام.
ومن الأسوأ وقعاً على القلوب أن تفقد حلماً ظل يراودك ويزورك ويداعب ويلمس قلبك ويرسم البسمة على شفتيك ويضىء نظراتك بوميض فضى ساحر مبهر فاتن، ويبدل ويغير فى ملامح وجهك للأجمل والأروع والأصدق، وعندما يتحول لواقع تعيشه وتلمسه يداك وتحتضنه وتستغرق فى النوم بين ذراعيه وتستمع لدقات قلبه وأنفاسه وتشاركه الطعام والحديث واللمسات الدافئة والحديث الخاص جداً والدندنة وتفسير كلمات الأغانى وفقاً لما تشعران به معاً وتشكر الله فى كل لحظة على حصولك عليه وتعتبره الجائزة الكبرى والترجمة الحقيقية لمعنى السعادة، وفجأة ودون سابق إنذار تسطو عليه الأقدار فيضيع ويذهب مع من ذهبوا ورحلوا وغادروا بلا عودة.
إنها الأحلام، أيها السادة، وسحرها الذى دفع الأدباء والشعراء والفلاسفة للحديث عنها، فعرّفها أرسطو قائلاً: «الأمل حلم من أحلام اليقظة»، بينما أكد نفس المعنى محمود درويش عندما كتب: «هل فى وسعى أن أختار أحلامى لئلا أحلم بما لا يتحقق؟!»، وهمس نزار قبانى فى وصفه لحبيبته: «حلم من الأحلام لا يُحكى ولا يفسر»، بينما كتب نجيب محفوظ: «كان شهراً كالحلم ولكن الأحلام لا تدوم»، وفلسف د. مصطفى محمود معناها فقال: «إننا لا نرى فى الأحلام إلا نفوسنا وانشغالاتنا وهمومنا»، وكتب قاسم حداد عنها: «كل صباح أجمع أشلاء روحى خارجة من أحلام لا تتحقق»، وكانت كلمات أحمد شوقى التى تُغنى وتطربنا حتى الآن «يا جارة الوادى طربت وعادنى ما يشبه الأحلام من ذكراك»، لتنافسها بنفس المعنى كلمات جبران خليل جبران: «سكن الليل وفى ثوب السكون تختبئ الأحلام».
وجاءت آراء علماء النفس لتتفق مع معانى المبدعين، حيث أصابتهم الحيرة وتناقشوا واختلفوا حول التفسير العلمى لظاهرة الأحلام، فمنهم من يقول إنها رسائل غيبية يتم إرسالها للشخص من قوى عليا، بينما يرجّح آخرون أنها رغبات بداخل الشخص يتم التنفيس عنها. أما علماء الفسيولوجيا فقد قالوا إنها تنتج من الاستجابة لأعضاء جسم الإنسان عندما تتأثر بالمؤثرات الخارجية، وقد اعتمد هذا الاستنتاج على نتائج تجاربهم العملية. والطريف أن تلك التجارب والأبحاث أكدت أننا جميعاً نحلم، باستثناء المصابين باضطرابات نفسية أو عقلية وأن معظم الأحلام تعبير عن الطاقات السلبية المكبوتة داخل الإنسان والرغبات الدفينة التى يصعب عليه تحقيقها، أو تكون استجابة لحاجات الجسم الفسيولوجية فتخرج على هيئة أحلام. ولا يتوقف الأمر عند ذلك، حيث أكدوا أن الإلهام والإبداع والابتكار قد تأتى من الأحلام التى تدفع بفكرة ما أو اختراع إلى ذهن صاحبها، وتلك نظرية العالم «كارل يونج»، مؤسس علم النفس التحليلى، الذى أثبت أن الأحلام تقدم حلول المشكلات للشخص فى محاولة لإعادة التوازن النفسى له.. فلنحتفظ بآمالنا الكبيرة لنلتقى بها أولاً فى الأحلام.