قالوها قديماً.. لا مستقبل لمن لا تاريخ له. ففى التاريخ هوية تمنحنا الملامح والأصل والجينات، وفى الماضى جذور تمدنا بالثبات والرسوخ. وكلاهما، الهوية والجذور، يمنحانا الصلابة فى الأزمات، والبصيرة فى وقت العتمة، والإدراك فى غياهب الأيام. ولذا يحارب الهوية كل معتل النفس والفهم والإدراك، ويحارب الجذور كل محتل لأرض وحضارة وإبداع. فيقول من فى قلبه مرض إنه لا وجود للأوطان وإن الانتماء لا يكون لغير عقيدة! ويضلل من سار وراءه مغيباً أو جاهلاً، بينما كانت مكة أحب أرض الله لقلب رسول الله صلوات ربى وسلامه عليه. ويحارب الحضارة كل طامع مغتصب كاره للنور ولمن فاقه علماً وفهماً وبصمة فى الحياة، فيزوّر التاريخ ويدمر الأثر ويقتل المبدع وينسب الفضل لغير أهله.
من هنا....
علموا أولادكم هوية بلادنا وتاريخها يا سادة إن كنتم تسعون لزرع انتماء بداخلهم. حدثوهم عن تاريخ الأجداد ممن تركوا فى الحياة بصمة، اكتشفوا معهم تفاصيل التاريخ ففى الصفحات حكايات ضلت طريقها إلينا، وتهنا عن فهمها فضللنا بين الأمم نظن بأنفسنا ضعفاً وهواناً، بينما منحنا الكثير من الأجداد مجداً لنا فيه عبرة وحكمة وحياة. أحيوا التاريخ فى نفوسهم إن كنتم تبنون لهم مستقبلاً ليدركوا ما عليهم فعله للحفاظ عليه.
تأملوا فى عبارات وبصمات من سبقونا، ففى آثارهم ما دفعوه من ثمن للتاريخ ليخلد اسمهم، وفى حكاياتهم مشاهد للكريم واللئيم ومن خان ومن حمى، وفى أيامهم ملامح الهزيمة والنصر، الكرامة والذلة، البذل والأنانية. فإن تأملتم أدركتم، وإن أدركتم امتلكتم البصيرة، وإن امتلكتم البصيرة لم تخشوا المتاهة فى عالم بات يعتمد على فقد الذاكرة وتعتيمها.
اقرأوا تفاصيل الهزائم، ففى الهزيمة صور الخيانة والطمع والحقد. وتعلموا خطوات الإعداد للنصر، ففى الانتصارات صور المثابرة والكبرياء والتحدى والتضحية. اقرأوا لتحموا الحاضر وتخططوا للمستقبل، اقرأوا لتدركوا أهمية التربية بهوية والتعليم بحداثة لأجيال لن نحيا معهم ولن نواجه الصعوبات معهم.
نعم يا سادة فى الهوية حياة لما نصنع اليوم، فما فائدة أن نبنى لأجيال لا تدرك ما دفعه من سبقهم ليعيشوا الأمان والحضارة والاستقرار؟ ما فائدة أن نبذل الحياة لأجيال تسير وراء مرضى القلوب والعقول والضمائر؟ ما فائدة أن نمنح الحياة لأجيال لا ترى الفرق بين الموت والفناء، الجهل والعلم، الحضارة والانحطاط؟
نعم يا سادة فى الجذور بركة ورفعة وكرامة وإحساس بالثبات الراسخ مهما تطاول رعاة الشاء فى البنيان، ومهما امتلك السفهاء نفوذ المال والقوة. فجذورنا تمنحنا سلامة الفهم وجينات الإبداع وعناصر المقاومة لكل قبيح.
فى الهوية حياة.. آه لو ندرك ونقرأ ونتعلم ونتأمل. فى الهوية مصير ومسار لو نعلم. فى الهوية نجاة فاسعوا لها لتحموا ما تبنونه اليوم.