عندما تتعامل مع حدث جلل وتشعر وأنت فى غمرة الأزمة العاصفة أنك خارج المشهد، مجرد متفرج على فيلم خيالى «3D»، مشحون بالدراما السوداء، لكنك تكتشف أنه فى واقع الأمر حقيقة، رغم إحساسك اليقينى أنه يدور خارج سياقك وحياتك، فأنت مجرد مشاهد تراقب الأحداث وتتأثر بها وتتفاعل معها، حينها تكون الصدمة أعنف مما تتخيل، تصاب بحالة من الإنكار والرفض، حتى تبدأ ببطء فى استيعاب ما يجرى من حولك، وتتيقن أن هذا المشهد هو جزء من حياتك، ولم يكن كابوساً يخنق أنفاسك، أو يجثم على صدرك، فلا تستطيع منه فكاكاً، أو إزاحته من مخيلتك.
إنها اللحظة الفارقة بين الوعى والإنكار، بين الواقع والوهم، تبدأ فى الإدراك ويتساقط جليد الإحساس المغلف بالعدم، لتستوعب أنك تغوص فى تفاصيلها بكل الألم والخوف والفزع المطبق على أنفاسك التى هى بالكاد تخرج من جسدك، لتعلن أنك ما زلت تتحرك، تمارس عفويتك وإنسانيتك، تكبت الخوف، وتتعالى على الهلع الكامن بين ضلوعك لتبدو متماسكاً، وأنت فى جل التجربة والهواجس تضغط على عقلك وتتمادى فى فرض قوانينها، تنهش صمودك محاولةً التمكن منك، لا تلتفت إلا لما يمليه عليك ضميرك وإنسانيتك فى تلك اللحظات الحرجة، كأنك «روبوت» يتحرك بلا روح، مجرد معلومات زُوِّد بها عقلك فتمارسها دون تردد! إنه العبث، إنه القدر، صفها كما شئت، وأطلق العنان لفيض التناقضات داخلك، ربما تستقر على يقين يهدئ من روعك.
أن تتماسك وتستوعب الصدمة حتى تواصل ما بدأت؛ أمر شديد الصعوبة، أن تحافظ على اتزانك كاملاً حتى لا تظهر ضعفك وهشاشة مشاعرك؛ أمر يحتاج إلى برمجة فولاذية، تستبعد أحاسيسك الإنسانية حتى تقوى على الصمود، لتلملم بقايا جَلَد يساعدك على ما هو فى انتظارك، المحنة منّة من الرحمن، اختبار من الله يترجم قوة إيمانك به ورضاك بما قدّره لك، لا تملك سوى الابتهال والدعاء المخلص والانتظار، حتى لو قال الطب كلمته، تبقى متشبثاً بما يفاجئك به الخالق، فهو الرحمن الرحيم، وفوق كل الآراء العلمية والطبية وخارج التوقعات، لا بد أن تحتفظ بمسافة بينك وبين مخاوفك، فقط انظر لما هو بين يديك، وتذكّر أن الله برحمته يبعث الأمل ويبث الطمأنينة فى قلبك. فلسفة الحياة أن تتقبلها كما هى، تتحايل على قسوتها، وتتماهى مع تفاصيلها.. انظر إليها من عليائك، تفرّس الوجوه الواجمة من حولك، حوّلها إلى لوحة سريالية، افهمها كما شئت، واحتفظ بما يرضيك، لا تعبأ بالضوضاء المفتعلة من حولك، مارس طقوسك وقناعاتك دون أن تلتفت للمتلصصين، المحبطين، أنت الأقوى بإيمانك وقناعاتك، اخرج من بوتقة العدم إلى فضائك الفسيح، احضن أحلامك بقوة ولا تدع أحداً يسرقها منك، «الحياة كذبة كبيرة».. فانتبه، لا تترك خيوطها متشابكة بين يديك، بل انسج ثوبها مرصعاً بالأمل، حوّله إلى لحم ودم، ربما تلحق حلمك قبل أن يطويه النسيان، وتستعيد ذاتك التى ذابت فى تفاصيل الآخرين، وتعيش بعضاً من دفء كان غائباً منذ زمن بعيد.