ليس المعنى هنا «الموت»، إنما حالة من الانسحاب تصيب الإنسان فتسلبه روحه، وتعمق الفجوة بينها وبين جسده، تنهار معها مقومات الدعم والمقاومة والأمل، يتبدد الإحساس بالجدوى، ويحل محله الشعور بالعدم، هى ليست نظرة سوداوية للحياة، أو اعتراض على ما وهبنا الله من نعم، لكنها لحظة التجلى فى أعلى درجات نقائها، ومن فرط الشفافية فى مواجهة الذات، يغمرنا الإحساس بالعدمية، خيط رفيع بين الإحساس المادى والميتافيزيقى، يجعلك تدور فى لعبة «المتاهة»، حتى تخار قواك وتدرك أنك لن تصل إلى النهاية أبداً، ولن تمسك بخيوط البداية، حتى تختار الطريق، وتتابع سيرك كما توجهك المتاهة.
«الميتافيزيقا» هو فرع من الفلسفة يدرس جوهر الأشياء، هو علم ما وراء الطبيعة الذى يتعامل مع الموجودات غير الحسية. وعند «أرسطو» لا يوجد شىء مجرد، فالشىء الموجود لا بد أن يكون مخلوقاً من مادة ذات شكل وكم ونوع، والمادة تسبق اللا مادة، لأن الكم والنوع لا يمكن تحديدهما إلا بالمادة.
أما الإله فهو مادة ولكن غير محددة النوع والكم، ولهذا فإن الاعتراف بوجود الشىء هو اعتراف بوجود المادة. والمادة هى كل الأشياء الحسية بشكل عام، وعندما نتأمل هذه الأشياء عن قرب، يدرك العقل أن كل شىء منها له خاصية مختلفة تحددها هيئة الشىء أو شكله. وكى نفهم ما هى المادة، فعلينا أن نفكر فى الشىء اللا مادى، «أى الإله»، حينها يستطيع الإنسان أن يفهم كيف تكون المادة، وكيف يكون وجود الإنسان.
وعملياً جميع المسائل التى لا يمكن تصنيفها ضمن الإطار الطبيعى (الفيزيائى الواقعى المادى تصنف ضمن إطار الميتافيزياء). وهذا ما يجعل الميتافيزياء تتناول بدراستها الظواهر الروحية والنفسية وتدخل فى مناقشة الظواهر الغريبة مثل الجن، الأشباح، والتخاطر. وهو يهدف إلى تقديم وصف منظم للعالم وللمبادئ التى تحكمه.
وخلافاً للعلوم الطبيعية التى تدرس مظاهر محددة من العالم، تُعدّ الميتافيزيقا علوماً استقصائية أكثر توسعاً فى المظاهر الأساسية للموجودات.
وقد ركز التكهن الخاص بما وراء الطبيعة دائماً على مفاهيم أساسية كالفضاء والزمن، والسببية، والهوية والتغيير، والاحتمالية والضرورة، والمتفردات والعموميات، والعقل والجسد.
«الروح».. هى ميتافيزيقا الجسد، هى محرك الإحساس بالوجود والخلق، مشاعر السعادة والبغض، الحب والكراهية، التسامح والانتقام، الزهد والصراع، العبث والاتزان، التماسك والانهيار، العزيمة والهزيمة، وقد قننها «إنجلز» فى مادته الجدلية «الديالكتيك» بوحدة وصراع الأضداد.
ما وراء الطبيعة أو «الميتافيزيقا» يحملنا إلى التساؤلات الحائرة، العالقة بين العقل والروح، لا تحمل التفسير المادى فى معظم الأوقات، فنلجأ إلى الإجابات الأكثر تعلقاً بالروح، والملاذ الآمن للذات، فلسفة الميتافيزيقا فى حد ذاتها قائمة على البحث فى المبادئ الأولية للعالم وحقيقة العلوم، وتفسير الظواهر الأساسية فى الطبيعة وما نؤمن به غريزياً، وتشير إلى نظريات الواقع الواسعة كالمادية والثنائية، وكل ما يتعلق بطبيعة هذا الواقع، فمثلاً لماذا يوجد شىء عوضاً عن اللا شىء؟ هل هناك إرادة حرة أم أن كل فعل محدد بأسباب؟ هل تم خلق الكون؟ أم أنه موجود بشكل دائم؟ هل توجد مخلوقات روحية؟ هل هناك حياة بعد الموت؟ ما طبيعة الكون والمادة والسببية؟ كل ذلك نماذج لأسئلة ميتافيزيقية قد يتفق أغلب الفلاسفة على أن الادعاءات الميتافيزيقية غير علمية وأن الحالات الميتافيزيقية المتناقضة لا يمكن اختبارها تجريبياً لتحديد الخاطئ منها؟! فهى لا تستند إلى يقين، طالما عجز العقل والمنطق عن إيجاد إجابات محددة لها.