البعض قد يستغرب من عنوان المقال ومضمونه، وقد يرى أنه موضوع لا يستحق الكتابة فيه، ولكنه من وجهة نظرى غاية فى الأهمية، لأن المشاهد التى نراها يومياً لبعض المواطنين الذين يقومون بالتبول فى الشوارع أو تحت الكبارى أو الحدائق والميادين العامة، وبصرف النظر عن أنها سلوكيات سيئة أو -بحكم القانون- أفعال فاضحة فى الطريق العام، فإنها مسيئة لسمعة مصر أمام المصريين أولاً ثم أمام الأجانب، سواء كانوا سائحين أو مستثمرين أو ضيوفاً ومسئولين، وأنها مشاهد اختفت من كل دول العالم تقريباً حتى تلك التى كانت فقيرة ومتخلفة وليس لديها أصلاً شبكة صرف صحى.
إنشاء دورات مياه عمومية فى الشوارع وعلى الطرق وفى الميادين والحدائق العامة وتحت الكبارى ليس أمراً ترفيهياً، بل هو ضرورة ملحة تفرضها أولاً زيادة نسبة المواطنين المصابين بمرض السكر، وهؤلاء لا يستطيعون التحكم فى أنفسهم، كذلك مرضى الضغط والأطفال. كل هؤلاء يحتاجون قضاء حاجتهم بسرعة وباستمرار.
أيضاً الأمراض الاجتماعية والأنانية التى أصابت المجتمع فى السنوات الأخيرة جعلت أصحاب المحلات والمتاجر والمطاعم والكافيهات وإدارات الأندية الرياضية لا يسمحون للمواطنين باستخدام دورات المياه لديهم، حتى فى ظل الظروف الطارئة، مثلما حدث مع أطفال المدارس الذين قضوا ساعات طويلة فى الشوارع، بسبب الأمطار الغزيرة التى أغرقت القاهرة العام قبل الماضى وأدت إلى تعطل حركة المرور، كما أن دورات المياه بالمساجد مغلقة منذ عام ونصف تقريباً بسبب كورونا.
مصر شهدت طفرة غير مسبوقة فى مجال الطرق والكبارى، والدولة حالياً ترفع شعار «اتحضّر للأخضر»، بهدف تنمية الوعى البيئى وإنشاء الحدائق العامة والتجميل وزراعة الأشجار، فهل يُعقل أن نفعل ذلك وننسى أهم شىء وهو إنشاء دورات مياه عمومية، ويضطر المواطنون للتبول فى الشوارع فى مشاهد مؤسفة.
خلال البطولة الأفريقية الأخيرة التى أقيمت فى مصر عام 2019 شاهدنا جميعاً وجود دورات مياه عمومية حضارية فى الشوارع، وبالقرب من ملاعب كرة القدم، ولكنها اختفت بعد انتهاء البطولة، وكأنها كانت موجودة فقط من أجل الجماهير والفرق الأجنبية.
واذا كان الرجال أو الشباب يستطيعون التحمل أو حتى قضاء الحاجة فى أى مكان، فماذا تفعل النساء والفتيات، خاصة المصابات بمرض السكر!؟
إن إنشاء دورات عمومية فى كل مدن ومحافظات الجمهورية أقل بكثير من تكلفة إنشاء كوبرى واحد فقط، أو مما تنفقه المحليات على حفر الشوارع ثم إعادة رصفها ثم حفرها مرة أخرى، بل هو أهم وأفضل من بناء المساجد والكنائس، ليس مطلوباً من الدولة إقامة دورات مياه عمومية على نفقتها، ولكنها تستطيع أن تفرض ذلك على الأندية الرياضية التى تستغل المرافق المدعمة ثم تتقاضى رسوم عضوية بمئات الآلاف، وكذلك منظمات المجتمع المدنى والمؤسسات الخيرية والمستشفيات الاستثمارية، مع تأسيس شركة قطاع خاص تتولى إدارة ونظافة دورات المياه العمومية والحفاظ عليها مقابل رسوم رمزية مع عدم إجبار غير القادرين على ذلك. أنا لن أتحدث إطلاقاً عن دورات المياه الموجودة حالياً فى المؤسسات والمستشفيات العامة، فالجميع يعلم مدى حالتها السيئة التى لا تعبّر إطلاقاً عن حضارة 7000 سنة، وقديماً قالوا إن نظافة دورة المياه هى عنوان للمنزل أو المؤسسة الحكومية.
ختاماً.. إن إنشاء دورات مياه عمومية محترمة وتوافرها بكثرة فى الشوارع هو لمسة حضارية تواكب التطور الذى تشهده البلاد حالياً، كما أنه خدمة ضرورية يستحقها المواطن المصرى، والله الموفق والمستعان، وتحيا مصر.