ترتعد أوصالنا وتنفر عروقنا غاضبة حانقة حين لا تلتزم فتاة أو سيدة بكود الالتزام المفروض شعبياً منذ سبعينات القرن الماضى، لكن هذه الأوصال لا ترتعد، وهذه العروق لا تنفر حين يتم خرق كل الأكواد الأخلاقية والسلوكية والمهنية دون استثناء. تخترق قواعد القيادة وتسير «عكسى»، مش مشكلة. تخترق قواعد التهذيب، وتسب الدين وتستعرض كل الشتائم المتمحورة على أعضاء الأم التناسلية، وتتهم إياها اتهامات أخلاقية وسلوكية، عادى. تخترق قواعد النظافة الشخصية، فتبصق فى الأرض وتمسح أنفك وفمك فى كمك وبيدك ثم تعاود بيع المأكولات للناس، خليها على الله، قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا. سيارة تسير دون لوحات رقمية دون توقيف أو محاسبة، يا سيدى! إحنا يعنى هنصلح الكون؟! سائق التاكسى لا يشغل العداد، البائع يغالى فى الأسعار أو يغش فى الميزان أو يبيع ما تلف وما لا يصلح للاستهلاك الآدمى، أمين الشرطة على باب البنك يمطرك «كل سنة وأنت طيب» كلما وقفت تسحب 20 جنيهاً من ماكينة الصراف الآلى، موظف حكومى يعتنق سياسة الدرج المفتوح لإنهاء المعاملات وتيسيرها، ممرضة تتعامل مع المرضى باعتبارهم عالة على المجتمع، طبيب لا يمضى أكثر من أربع دقائق مع كل مريض «على قد فلوسه»، حيث الدقيقة بـ125 جنيهاً رسم الكشف، بتحصل يعنى مش مشكلة. لكن سيدة أو فتاة ترتدى ما لا يتبع كود ملابس النساء فى مصر الذى تم استيراده واعتناقه فى سبعينات القرن الماضى، لا وألف لا، لأنها تعرّض المجتمع للانهيار والأخلاق للضياع والسلوك للتحلل والبلاد للدمار والعباد للخراب.
لا يوجد فى حياتنا اليومية «كود» واحد يوحّد ربنا يجعلنا نفكر مرتين قبل أن نخرق القواعد والقيم والسلوكيات. ورغم أن فيلقاً متمركزاً من الأفراد الذين نصبوا أنفسهم حماة الأخلاق ومدافعين عن السلوك يهرع جميعهم إلى ساحات القضاء لردع فلانة، لأنها ارتدت فستاناً، أو تأديب علانة لأنها أعلنت رأيها بصراحة فى قضية أو مسألة يعتبرونها من المحرمات المجتمعية، أو لتحجيم كل من تسول لها نفسها بأنها بنى آدم وشخص كامل الأهلية حتى تكون عبرة لغيرها من نساء المحروسة وبناتها، لأنهم وحدهم، ولا أحد غيرهم يملك مفاتيح الأخلاق والسلوك وقيم الأسرة المصرية وذلك عبر ملابس النساء وكلامهن وتصرفاتهن، رغم هذا، فإن أياً من أعضاء هذا الفيلق الصنديد لا تهتز له شعرة أمام ما يجرى من خرق وهتك وتجاوز وتدنيس لما يكتب ويقال فى حوادث الانتحار. فمن تكالب على أهل المنتحر وأصدقائه وجيرانه ومن تصادف وجودهم ومن سمع عنه ولم يعرفه بالضرورة لتسجيل كلمة هنا أو التقاط صورة هناك، ولا مانع أبداً من أن تفرد المساحات لتكهنات شخص لم يعرف المنتحر فى حياته، لكن إذا به يُدلى بأدق التفاصيل عن سلوكياته فى حياته، ولا حاجز يحول دون الخوض فى سلوك المنتحر، لا سيما المنتحرة بالطبع، وإن كانت على علاقة بصديق أو حبيب، وحدود هذه العلاقة، والتحليق فى آفاق ضيّقة سمجة لزجة تعكس جهلاً وقلة تهذيب وانعدام معرفة الفارق بين الجرأة والبجاحة والتكهن بإن كانت المنتحرة عذراء أم غير عذراء. بالوعة كبيرة لا ترتعد لها أوصال حماة الأخلاق وجماعات الأمر بالمعروف الشعبية المنتشرة فى بلادنا.
لذلك سعدت كثيراً جداً حين عرفت أن المجلس الأعلى للإعلام بصدد إصدار كود لتغطية حوادث ومحاولات الانتحار. لكن ألفت الانتباه إلى أن الجانب الأهم فى تغطية حوادث الانتحار غير مدرج، ألا وهو الصحة النفسية. هذا الجانب المفتقد ليس فقط فى الكود، بل فى الحياة اليومية فى مصرنا العزيزة يحتاج إلى تثقيف وتوعية للمواطن وأضيف إليهما تدريباً للصحفى. الانتحار ليس «قلة أدب» و«ضعف دين» بقدر ما هو ضغط على نفسية لا يتم علاجها بعبارات الردع وقرارات التحجيم.