بالعين المجردة، نلاحظ جميعنا القفزات السريعة والمتتالية فى أجور أو (أتعاب) المهنيين، ومن زيارة لأخرى لعيادة طبيب أو مكتب محامٍ أو مهندس أو محاسب، وما على المواطن (الزبون) إلا أن يدفع ويتلقى الخدمة ويغادر دون أن يأخذ فاتورة أو إيصالاً بما دفعه، وبطبيعة الحال لا يسجل مؤدى المهنة ما يتحصل عليه بدقة، وهكذا تكمن الأزمة فى محاسبة أصحاب تلك المهن ضريبياً وغيرهم كسماسرة العقارات والمدرسين الخصوصيين وبعض أصحاب المهن الفنية على تنويعاتها المختلفة، وغيرهم ممن يحققون إيراداتهم اليومية يداً بيد دون ضابط أو رقيب.
وبنظرة سريعة على الموازنة العامة للدولة خلال العام المالى الحالى 2021/2022، نجد أنها تستهدف تحصيل 983 مليار جنيه من الضرائب، من بين إيرادات مستهدفة بقيمة تريليون و365.2 مليار جنيه وحصيلة الضرائب العامة والمقدر لها نحو 497 مليار جنيه، ومن بين ما تشمله ضريبة مرتبات بقيمة 90.4 مليار جنيه، وضريبة نشاط مهنى غير تجارى بقيمة 4.8 مليار جنيه.
ولاحظ الفارق الذى يتجاوز 85 مليار جنيه بين المستهدف تحصيله من مرتبات الموظفين والعمال (90.4 مليار جنيه) والأغلبية منهم من أصحاب الدخول الأقل نسبياً، والمستهدف تحصيله من المهنيين (4.8 مليار جنيه) وهم بشكل عام من ذوى الدخول المرتفعة التى لا تمسها الضرائب كما يجب، والمعلوم بالضرورة أن وسائل الحصر الضريبى بالقانون الحالى لا تتوصل إلا إلى نسبة لا تزيد على 10% من دخول هؤلاء.
طرحت تلك الإشكالية على الخبير الاقتصادى هانى الحسينى، رئيس لجنة الضرائب السابق بالنقابة العامة للتجاريين، وقال دون تردد: إقرار الثروة.
أشار «الحسينى» إلى ضرورة تعديل قانون الضريبة على الدخل، وإعادة النص المحذوف من القانون 157لسنة 1981 المعدل بالقانون 87 لسنة1983، الذى كان يتضمن إلزام كل ممول من ممولى الضرببة على الأرباح التجارية والصناعية والضريبة على أرباح المهن غير التجارية والضريبة العامة على الدخل أن يقدم إلى مصلحة الضرائب إقراراً بما لديه من ثروة هو وزوجه وأولاده القصر مهما تنوعت وأينما كانت، وبشكل دورى كل خمس سنوات.
وإذا تبين من فحص الإقرار أنه قد طرأت زيادة على ثروة الممول وزوجه وأولاده القصر وأن هذه الزيادة مضاف إليها المصاريف المناسبة له ولأسرته طوال السنوات الخمس تفوق ما تم محاسبته عليه ضريبياً، وعجز عن إثبات مصدر هذه الزيادة يكون لمصلحة الضرائب الحق فى ربط ضريبة أخرى تتفق مع ما تم رصده من دخل محقق فعلياً. أتذكر أنه تم تعديل القانون عام 2004، بحذف النص الخاص بإقرار الثروة، واعتماد ما يتضمنه إقرار الممول بما حققه من دخل، اتساقاً مع فلسفة وزير المالية الأسبق الدكتور يوسف بطرس غالى التى شرحها للبرلمان آنذاك بضرورة دعم الثقة فى الممول لضمان زيادة الإيرادات.
الدولة الآن فى حاجة ماسة وضرورية لزيادة الإيرادات العامة لتمويل خطة التنمية الطموحة وغير المسبوقة التى تتم حالياً على كافة المحاور، وفى إطار السعى لتحميل تبعات الإصلاح الاقتصادى بالعدل بين كافة طبقات المجتمع، فإن الأمر يقتضى تحقيق العدالة الضريبية بين الجميع، وأن يسهم بدفع الضريبة كل شخص حسب دخله الحقيقى، ومن غير المقبول أن نجد من بيننا من يتهربون من الوفاء بالتزاماتهم ويراكمون ثرواتهم، ويطالبوننا بالامتنان لما قد يقدمونه من تبرعات، ومن غير المعقول أن نردد ليل نهار المثل: «ما تهونش إلا على الفقير» وكأنه قدر مكتوب.