فى شهر يناير الماضى، أصدرت منظمة «أوكسفام»، وهى اتحاد دولى للمنظمات الخيرية ومقرها الرئيسى بمدينة أكسفورد بإنجلترا، وتركز نشاطها على تخفيف حدة الفقر فى العالم، تقريراً مهماً كشفت فيه أن 1000 شخص على سطح الأرض وهم الأكثر ثراءً قد استعادوا فى غضون تسعة أشهر فقط خسائرهم التى سبّبتها جائحة كورونا، ولكن قد يستغرق أكثر من عقد من الزمان حتى يتعافى أفقر الناس فى العالم من الآثار الاقتصادية لهذ الجائحة.
وإن أصحاب المليارات فى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وحدها نمت ثرواتهم بمقدار 10.1 مليار دولار بين شهرى مارس وديسمبر من العام الماضى 2020، ويكفى هذا المبلغ لمنح جميع من دفعت بهم «كورونا» فى المنطقة إلى براثن الفقر -والبالغ عددهم 16 مليوناً- شيكاً بقيمة 600 دولار لكل منهم. وإذا لم تتحرك الحكومات، لمواجهة هذه اللامساواة الجسيمة، فسوف ينزلق نحو 68 مليون شخص آخرين إلى براثن الفقر فى المنطقة خلال العقد المقبل، وطالبت «أوكسفام» الحكومات فى جميع أنحاء العالم بأن تغتنم هذه الفرصة لبناء اقتصادات أكثر مساواة وشمولية وتنهى الفقر وتحمى كوكب الأرض».
وما يهمنا فى ذلك التقرير ما تضمنه عن مصر، مشيراً إلى أن ثروات ستة من أصحاب المليارات المصريين زادت بأكثر من بمقدار 57 مليار جنيه مصرى منذ شهر مارس حتى نهاية عام 2020، وهو مبلغ يكفى لمنح كل شخص من أفقر المصريين البالغ عددهم 10.2 مليون نسمة شيكاً بقيمة 5٫583 جنيهاً مصرياً.
فى مصر وفى معظم أنحاء العالم يتم جمع الأموال من الأثرياء إما بالمناشدات أو الزجر أو بالتخجيل أو حتى التشهير.. فلمَ لا نفعل ذلك بطريقة مؤسسية لائقة ومحترمة وقانونية تشمل الجميع؟ ولماذا لا تضع الحكومة، بالتنسيق مع البرلمان، بغرفتيه -النواب والشيوخ- على رأس أولوياتها صياغة مشروع قانون لفرض ضريبة على الثروة.
أعرف مقدّماً أن هذه الضريبة مسألة إشكالية ومعقّدة، لكنها ليست بدعة، وكانت موجودة بصورة أو أخرى فى كثير من دول العالم، لكنها تراجعت أمام الموجة اليمينية وتآكل السياسات الاجتماعية منذ الثمانينات.
الضريبة على الثروة تطبّق اليوم فى 5 دول أوروبية هى النرويج وإسبانيا وسويسرا وإيطاليا وفرنسا، والأخيرة تفرضها على الأصول العقارية فقط، وتسمى ضريبة التضامن بنسبة 1٫5% على من تزيد ملكيتهم على 800 ألف يورو، وتجمع نحو 4 مليارات يورو فى العام.
وبالمناسبة فى شهر أكتوبر من العام الماضى بادرت الأرجنتين كأول دولة فى العالم بفرض ضريبة جديدة على الثروة بنسبة 5% (ضريبة المرة الواحدة) لمواجهة آثار كورونا.
الكثير من المفكرين الاقتصاديين بدأوا يطالبون بالعودة اللازمة للسياسات الاجتماعية التصويبية، ومن بينها الضريبة على الثروة، وحتى المؤسسات الدولية ذات الوزن، مثل صندوق النقد الدولى، تطالب بفرض ضريبة على الثروات الكبرى لدعم خزائن الدول، والتقليص قليلاً من التفاوتات الواسعة فى المجتمعات.
وفى عام 2014، أصدر الاقتصادى والأكاديمى الفرنسى «توماس بكيتى» كتابه «الرأسمال فى القرن الحادى والعشرين» وتوقع أن يقود التمركز المتصاعد للثروة إلى اضطرابات اجتماعية وتهديد الديمقراطية، وطالب بالضريبة على الثروة كأداة لتصحيح الوضع.
وللحديث بقية.