رغم أنها مرت بسرعة البرق، وباقٍ على نهايتها شهران، فإنها سنة ثقيلة مرهقة مؤلمة، ما زالت تحفر فى ذاكرتنا مئات القصص الموجعة، أهمها «كوفيد-19» الذى يأبى الرحيل ويصر على ترك بصماته فى حياتنا ويحفر ذكريات شديدة الوطأة على النفس، مر علينا طيف الوداع والفقد والفراق مثقلاً بالأحزان، خرجنا من ضبابية الوهم فصدمنا الواقع بقسوته المفرطة، كنا نظن أن العام الماضى هو الأكثر ضراوة وعنفاً على البشرية، وأن جائحة كورونا فتتت كل مقومات التماسك داخلنا وهزت ثقتنا بثوابتنا، وشككت فى قدراتنا العلمية والصحية على المواجهة، وكان «كوفيد-19» خير اختبار لمدى الارتباك العالمى فى مواجهة أوبئة من هذا النوع على نحو مفاجئ، لكن الأخطر أننا بدأنا نتيقن أن هناك المزيد من المفاجآت فى انتظارنا، بعد تحذيرات متتالية من ذوى العلم والمعرفة، علماء وخبراء من كافة المجالات فى البيئة والصحة والمناخ والتكنولوجيا بأن القادم أسوأ؟! ولأن الإنسان خُلق ليتعلم ويتكيف مع ظروفه، فقد باشر بصياغة حياة جديدة من التأقلم وفقاً لمتطلبات الواقع الجديد المرتبك والمثخن بالأزمات والأحداث السلبية والدامية على كافة المستويات، ورغم أننا ما زلنا نعيش أجواء الجائحة وتداعياتها على كافة مناحى الحياة اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً، فإن إرادة الحياة انتصرت فى خلق توازن فريد للتعايش مع الوباء دون اللجوء إلى العزل الشامل رغم صعوبة التحديات.
وفى خضم المقاومة وتحدى الوباء والمحاولات المستميتة للسيطرة عليه، استفاق العالم قبل ساعات على كارثة جديدة كشفت مدى أهمية التكنولوجيا فى حياتنا، وآثارها السلبية أيضاً على الاقتصاد والحياة الاجتماعية والتواصل بين الناس، فقد أدى انقطاع خدمات فيس بوك وإنستجرام وماسنجر وواتساب، عمالقة الوسائط الاجتماعية المملوكة لشركة فيس بوك، إلى شلل كامل، توقفت فيه حياة المستخدمين حول العالم لساعات عدة، كانت ثقيلة بما يكفى لانهيارات اقتصادية كبيرة وخسارة فى البورصة العالمية قُدرت بالمليارات، فقد تخطى الأمر ما يعتقده الكثيرون، بأنه ليس إلا عطلاً مؤقتاً لهذه التطبيقات! فأبسط شىء للتقنية التى تعمل بها مواقع التواصل الاجتماعى، هو GBS الذى يُستخدم فى تسيير حركة الطائرات والسفن والأقمار الصناعية وكاميرات المراقبة، كل هذا ضربه الشلل التام لساعات عدة كانت كفيلة بحدوث هزات عنيفة على مستوى العالم، حتى إن إسرائيل عادت إلى استخدام التكنولوجيا القديمة فى أول إجراء لها رداً على هذا العطل.
لقد باتت مواقع التواصل الاجتماعى تمثل أهمية كبيرة لدى الناس والدول فى الفترة الأخيرة، بعد أن أصبحت المصدر الأول للمعلومة، كما أن هذه المواقع تستخدمها غالبية الشركات فى التسويق لمنتجاتها، فـ90% من مبيعات الشركات المختلفة بعد جائحة كورونا، كانت تتم من خلال مواقع الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعى، وهو أمر يمس الاقتصاد العالمى كله، كما أنه يمس مسألة أمن المعلومات، ورغم التوضيح من الشركة المالكة بأنه ليس هجوماً سيبرانياً كما يُشاع، فإن أسباب هذا العطل ما زالت قيد التأويل والشكوك.
بالنظر إلى الشهور القليلة السابقة، فقد عاش العالم أسوأ مفاجآت يمكن أن تمر على حياة البشر، بدءاً بوباء كورونا مروراً بالتغيرات المناخية القاسية التى شعر بها معظم دول العالم، من زلازل وأعاصير وفيضانات واحتباس حرارى تبعه ارتفاع قياسى فى درجات الحرارة، وتوقعات لأوبئة أخطر من «كورونا»، وانتهاءً بالشلل التام الذى ضرب التواصل بين أقطاب العالم، وما زال فى جعبة العام ما ينذر بمفاجآت أقسى وأخطر.
فهل العودة إلى نشأتنا الأولى يكون فيها الخلاص؟