الأصل فى النقابة -أى نقابة فى الدنيا- أنها تجمُّع من أبناء مهنة واحدة يحتشدون من خلالها للحفاظ والدفاع عن مهنتهم ومصالحهم.. يسعون بكل قوة -مشروعة- لتحقيق أعلى مكاسب ممكنة وحضور اجتماعى مميز يليق بهم كما يرون أنفسهم.. وهذا الدور للنقابات قديم قدم النقابات ذاتها قبل ظهورها منذ عشرات السنين.. أدت بعض الأحداث إلى دور سياسى للنقابات خصوصاً بعضها مما تتصل أعمالها ومهنتها بالسياسة والحريات ولهم تماس بدرجة أو بأخرى بالحكومات ومؤسسات المجتمع الأخرى، خصوصاً نقابتى المحامين والصحفيين.. وبقى الأصل فى الدور النقابى خدمياً فى الأساس يرفع -كلما استطاع- من المزايا التى يحصل عليها أعضاء نقابته وأبناء مهنته من: خدمات.. وحدات سكنية.. قطع أراضٍ.. سيارات بالتقسيط المريح.. معارض سلع معمرة.. مصايف فى وحدات ثابتة أو شواطئ محددة أو من خلال عروض سنوية وموسمية حتى فى الشتاء حيث مدن شتوية دافئة.. عروض للحج والعمرة للأعضاء وأسرهم. ومنح دراسية تخص الإعلام للصحفيين وتخص الاقتصاد للتجاريين وتخص الزمالة للأطباء.. وهكذا.
والأصل أيضاً أن تبذل النقابات جهدها للصعود بقيمة مهنتها فى سلم الدخل لتوفير حياة أفضل لمن ينتمون إليها ومن هنا تكون النقابات شريكاً أساسياً فى مناقشة بعض القوانين داخل المجالس التشريعية بإرسال مندوبين أو بالاطلاع على مسودات القوانين ومشاريعها ليس فقط التى تنظم عمل نقابة ما ولكن ما يخص مرتبات ومعاشات ودخول أعضائها وتقاعدهم ومكافآت نهاية خدمتهم والضرائب المفروضة عليهم.. وهكذا!
وإن كانت مهمة النقابات الدفاع عن أعضائها فهى أيضاً مسئولة قانونياً وأدبياً عن محاسبة أعضائها ومعاقبتهم عند التجاوز، ومن أجل ذلك كانت لجان التأديب المشكَّلة وفقاً للقوانين وتضم عناصر تحمل الصفة القضائية من أجل صدور قرارات صائبة ملتزمة بالقوانين واللوائح وتكون لهذه اللجان الصفة القضائية، تكون قراراتها ملزمة لأعضائها ويكون الطعن عليها أمام القضاء!
ولذلك ليس من حق أى نقابة أن تتكتل أمام المواطنين وتحمى أعضاءها «عمّال على بطّال» بحجة أن هذا دورها! إذ إن دورها يتمثل فى حماية أعضائها من الظلم ومن الإهانة ومن أى مساس يؤثر على شكل وقيمة ومكانة مهنتهم، وليس حمايتهم إلى حدود حماية تجاوزاتهم ذاتها!
أولى النقابات المعنية هى الأطباء.. التى تتابع شئون أطباء مصر وهم -مهنة وأفراداً- محل تقدير واحترام المجتمع كله وأولهم كاتب هذه السطور. أقارب وأصدقاء وزملاء دراسة ولا يمكن عزلهم أو فصلهم عن محيطهم.. لكن ولأن الكتلة العظمى من أبناء هذه المهنة يؤدون عملهم بشكل جيد لذا خلط الحابل بالنابل، وجمْع المهمِل منهم مع غيره هو الظلم بعينه للمجموع.. والأسابيع الماضية تابع الرأى العام المصرى بل والعربى أخطاء فادحة فى عمليات جراحية لشخصيات عامة لها مكانتها فى المجتمع ربما أبرزهم الإعلامية إيمان الحصرى والفنانة ياسمين عبدالعزيز.. وكان صاحب هذه السطور قد تناول أكثر من مرة خلال السنوات الماضية أزمات مشابهة لبسطاء مصريين تعرضوا لأخطاء طبية قاتلة.. إذ إن الأسئلة فى ذهن أى متابع هى: إذا كانت «الحصرى» و«عبدالعزيز» جرى لهما ما جرى وهما -من المؤكد- قد لجآ إلى مشاهير الأطباء فى أكبر عيادات ومستشفيات مصر، فماذا يكون الحال من معاملة وأخطاء مع عامة الناس؟! نقول ذلك لكون الرد متكرراً وثابتاً كل مرة وهو «إن ما جرى أخطاء طبيعية واردة»، ثم ينتهى الأمر داخل النقابة دون أى إجراء، علماً أن النقابة لا تتحرك إلا ببلاغ رسمى أو بضغوط الإعلام والرأى العام! ولا نعرف أنها بادرت من تلقاء نفسها بالتحقيق مع أحد خصوصاً إن طالت الأخطاء آحاد الناس!
وكادت ردود «الأطباء» المتكررة أن تقنع البعض بأن هناك مساحة من الخطأ متوقعة مسموحاً بها، حتى جاءت الصدمة من تصريح كبير فريق الجراحة الذى تدخل من جديد لإنقاذ إيمان الحصرى، إذ قال ما يؤسف عليه ويكفى إصراره للاعتذار لها نيابة عن «أطباء العالم»! ثم نجحت العملية التى ليس فقط عالجت الحالة بل صححت أيضاً أخطاء الجراحة السابقة! أى أخطر من الجراحة الأساسية! ونجحت بنسبة -كما قالوا- مائة فى المائة!
فى «الصيادلة» وحتى كتابة هذه السطور، لم نعرف أن النقابة العامة تحركت لدعم الصيدلانية إيزيس مصطفى التى اعتدى عليها بعض زميلاتها فى الشرقية.. بلغ حد السحل وإحداث الإصابات! السبب الذى قيل هو كونها غير محجبة وقيل إن ذلك الاضطهاد استمر لشهور ولم يتدخل أو يتحرك أحد!
ورغم أن الحالة الأخيرة هى اعتداء على عضوة بالنقابة وليست شكوى من خارج النقابة ضد أحد الأعضاء بما يأخذ التساؤلات إلى زاوية أخرى أسوأ مما نتخيل، وهى تدخل القناعات الشخصية للبعض فى العمل النقابى، وهو ما لا نتخيله أو نتوقعه وبغير شك لا نقبله!
إن كانت القوانين تحتاج إلى تغيير، فعلى المجلس التشريعى القيام بواجبه.. إن كانت لجان التحقيق تؤثر انتخابياً على أعضاء المجالس ويخشون من ضياع أصوات الأعضاء فلتكن سلطة التحقيق من حكماء المهنة يختارون مع كل انتخابات.. أى شىء يخرجنا من المأزق الحالى.. وأى شىء سيكون أفضل من استمرار الحال كما هو عليه!
نقبل أخطاء نقابات أخرى.. لكن تبقى حياة الناس وأرواحهم فوق وقبل أى شىء!