ليس المقصود بالعنوان دواجن العهد الغابر، التى كنا نطلق عليها ولا نزال، اسم «الفراخ البلدى»، وأصلها «الفيومى»، التى سرق العالم جيناتها وأنفق على تحسينها وراثياً، حتى غدت منافسة للدواجن البيضاء وزناً، وتساويها فى عمر التسمين.
لكن المقصود بالعنوان استغاثة إلى المسئولين عن تسويق الإنتاج المحلى من الدواجن، كى يؤدوا الأمانة تجاه استثماراتهم، التى هى فى الأساس مدخرات المصريين، بداية من فئة المائة جنيه فى حساب توفير، إلى ملايين يعجز أصحابها عن تشغيلها بأنفسهم.
وسبب الاستغاثة زيارة غير محسوبة إلى إحدى قرى الساحل الشمالى الجمعة الماضى، فى المنطقة الواقعة بين سيدى كرير والحمّام، وكان من الطبيعى أن أدخل أحد متاجر البقالة الأشهر من الإسكندرية حتى مطروح، للتبضع لزوم قضاء ليلتين على شاطئ البحر.
ازدحمت عربة التسوق بالغالى الرخيص، أى بالأكياس والمعلبات باهظة السعر عديمة القيمة الغذائية، لتقفز إلى الذهن بجدارة السلعة الأهم، وهى الدواجن أو الفراخ البيضاء.
سألت البائعين عن ركن الدواجن، فأشاروا إلى صف من الثلاجات، وحين وصلتها، لم أعثر على دجاجة واحدة محلية، وما أكثر العلامات التى ذاع صيتها، وتتكبد شركاتها مئات الملايين فى عنابر جدودها، وأمهاتها، وكتاكيت تسمينها، كما حازت هذه الشركات إجازة المنظمة العالمية لصحة الحيوان، بخلو مزارعها من الأمراض الوبائية، التى منعت تصديرها منذ جائحة إنفلونزا الطيور فى 2006.
عدت للبائعين، فرمقونى بنظرة فاحصة ماسحة لطولى، ورد أحدهم بأنهم لا يبيعون إلا المستورد، «ولو حضرتك محتاج فرِش.. فيه مخلى ومتبل ومجزءات» تم إعدادها للتجهيز المطبخى السريع.
انهلتُ على مسامعهم بخطبة عنترية قصيرة وجادة وعصبية، عن مخاطر إخلاء ثلاجات متجر عملاق متعدد الفروع، من الدواجن المحلية، خاصة أن شركاتنا المصرية وبعض الشركات العربية التى تستثمر مليارات فى هذه الصناعة، تحتضن أرباب نحو 3 ملايين أسرة مصرية يعملون فى هذه الصناعة، التى لامس سقف استثماراتها 100 مليار جنيه منذ نحو عامين، معظمها قروض من البنوك. وجدتنى أخطب فيمن لم يأبه بحديثى، عن خطورة إفساح المجال للدواجن المستوردة على حساب المحلية، التى تنتج مصر منها كل طلعة شمس أكثر من 3.5 مليون دجاجة، وماذا يترتب عليه من تشريد عاملين، وخسارة مربين اقترضوا من مدخراتنا، متحملين مخاطر الخسارة، وما يتبعها من هجر للصناعة، ثم السجن نتيجة عدم القدرة على سداد القروض ومديونيات التربية.
داهمتنى مقولة «الأذان فى مالطا»، حيث إن إدارات المشتريات فى هذه المتاجر العملاقة تنفذ توجيهات المالكين، الذين ربما يكونون مضطرين لإخلاء أرفف محلاتهم وثلاجاتهم من المنتجات المصرية، حتى لا تُزعِج أبناء شريحة من المستهلكين يبحثون فى قرى الساحل عن منتجات ذات «براند» أجنبى.
لكن بعد تفكير هادئ أعقب حمأتى العصبية، وجهتُ اللوم إلى نفسى لأننى أحارب بسيف غيرى، هذا الغير الذى صدّع رؤوسنا بالحديث عن تخطيطه لإنشاء شركة مساهمة مصرية لتسويق الدواجن، فى الوقت الذى يرسب فى أقرب امتحان له، حيث لم يبدأ بنفسه فيخصص جزءاً من استثماراته فى شراء عدد من سيارات النقل المبرد، والاجتهاد لتسويق إنتاجه، بعد الإنفاق المحسوب دعائياً وتقنياً لإشهار العلامة التجارية الخاصة به «البراند».