ربما نحتاج إلى طرح سؤال يبدو بديهياً إلى درجة الهبل. لماذا نتزوج؟ أكثر الأسباب شعبية هى: لنرتبط بمن نحب، لننجب أطفالاً ونُشبع غريزتى الأمومة والأبوة، لنجد صحبة حين يتقدم بنا العمر، لنُشبع رغباتنا الجنسية بمنظومة شرعية، لأن هذه هى سنّة الحياة، لأن هذا ما وجدنا عليه آباءنا، لأن الدين بيقول كده، لأن «ماعرفش.. هو كده».
وللعلم والإحاطة، فإن الإجابة الأخيرة «ماعرفش هو كده» تكاد تكون سائدة. بالطبع، لو حاولنا التنقيب عن الأسباب والعوامل والدوافع سنجد توليفة من كل ما سبق، ربما باستثناء حكاية «نرتبط بمن نحب» لأن العديد من الزيجات ليست قائمة على الحب! ولأن الشعور العام، أو بالأحرى الإيمان السائد لدى كثيرين، هو أن الزواج مرحلة من مراحل الحياة التى لا بد منها، حتى إن البعض يقول خالطاً الجد بالهزل إن الزواج شر لا بد منه، فإن إنجاب العيال تحوّل لدى ملايين من المصريين إلى تصرف طبيعى مثل الأكل والشرب، بمعنى آخر «حاجة بنعملها وخلاص».
لكن الحقيقة أن شوارعنا وحاراتنا ومحلاتنا التجارية التى باتت متخمة بعيال صغار بين طفل عامل وطفل متسول وطفل يقود «توك توك» وآخر يقود دراجة نارية وثالث يقود «تروسيكل» وطفل هائم على وجهه وطفل بلا مأوى، تستدعى تدخلاً سريعاً من كل من يهتم بأمر هذا البلد. والتدخل المقصود ليس تدخلاً يجوب الشوارع بسيارات متنقلة لإطعام هؤلاء الأطفال، أو منحهم كسوة العيد أو لحمته أو كحكه، كما أنه ليس تدخلاً أمنياً، حيث يجوب الـ«بوكس» أنحاء المدن، جامعاً هؤلاء الأطفال ليغذى أقسام الشرطة أو دور الأيتام أو الإصلاحيات بهم. التدخل المطلوب لا يهدف إلى إخفاء هؤلاء الأطفال -الذين أتصور أنهم بضعة ملايين- عن مجال بصرنا. التدخل المطلوب هو توقيف ماسورة ضخ المزيد منهم، مع تقديم علاجات آنية حقيقية جذرية واقعية لهؤلاء وحمايتهم من ذويهم! نعم، حمايتهم من ذويهم. صحيح أن الأهل ضحايا سنوات طويلة من الإهمال وترك فئات عديدة من المصريين نهباً لجماعات متأسلمة تدفع نحو الإنجاب دون هوادة لأن تنظيم أو تحديد النسل حرام! وللعلم والإحاطة فإن دقّ البعض على وتر أن التنظيم، أى التباعد بين كل إنجاب والآخر يختلف عن التحديد الذى يعنى الاكتفاء بعدد بعينه من العيال، حيث الأول حلال والثانى حرام، يدفعنا هو الآخر نحو الهاوية السكانية التى تبدو واضحة وضوح الشمس فى الفصول المكدسة بالعيال والشوارع المتخمة بهم كأطفال عاملين ومتسولين! كون الأهل ضحايا الجهل أو التغييب أو الإهمال لا يعنى أبداً تركهم يعيثون فساداً عبر الإنجاب دون هوادة. قبل أيام سألت طفلاً يقول إن عمره 11 عاماً لكنه بكل تأكيد لا يزيد على تسعة أعوام يعمل لدى «خضرى»: هل بدأت تنتظم فى المدرسة؟ نظر إلىّ باعتبارى مختلة، وقال: مدرسة إيه اللى هاروحها وأنا فاتح بيت؟ والقصة المروية معلومة للجميع بكل تأكيد. الأب مُزارع بسيط والأم تساعد قدر الإمكان تارة بأعمال هامشية وأخرى بإنجاب المزيد من رؤوس الأموال: عيل يقود «توك توك»، وعيّلة جوّزوها وهى فى الـ12 من العمر، وثالث يعمل «ديليفرى»، ورابع خرج ولم يعد.. وهلم جراً.
لم يعد هناك مفر من زرع الوعى بالقنبلة النووية السكانية، مع توفير وسائل منع الحمل دائماً وفى كل فج عميق، وبعدها بقليل الإعلان فرض «رسوم كارتة» على العيل الثالث وطالع.
ملحوظة: تصور أننا نعاقبهم بحرمان العيل الثالث ومن يليه من التعليم الحكومى أو بطاقة التموين أو العلاج المجانى وهم وخيال!