الجو مشرق، والشمس ساطعة، وانطلقت الرحلة بمولد النبى الكريم، صلى الله عليه وسلم، الذى كان أرفع العظماء ذكراً، وأبقاهم أثراً، فقد عرفه الناس بحسن الخلق، وصفاء الذمة، وأبرزت العنايةُ الإلهية هذا الإنسانَ الكامل، وجعلتهُ نوراً ينسخ الظلمات، ويُضىء أطراف الدنيا، وما زالت صور الاحتفاء بنبى الإسلام لا تتوقف.
واليوم نرى صورة جديدة من الاحتفاء بسيرته وتاريخه ومدينته من خلال الفيلم الوثائقى الذى عُرض فى قاعة مؤتمرات «مكتبة الإسكندرية»، وفى حديقة «نقابة الفنانين التشكيليين» بدار الأوبرا، وعنوانه: (والمدينةُ خيرٌ لهم لو كانوا يعلمون)، وهو فكرة وإخراج الفنان الكبير «مجدى إمام»، وشارك فى الإنتاج الأستاذ «فريد الميمى»، وقام بالتعليق على بقاع المدينة المنورةِ ومساجدِها وإبراز الأحاديث التى وردت فيها الدكتور «أسامة الأزهرى»، والموسيقى التصويرية للموسيقار المبدع «عمر خيرت»، وفريق كبير شارك فى هذا العمل، ليخرج فى أبهى صورة، وكلهم لم يتقاضوا أجراً.
إنه فنٌ هادف، وعملٌ علمى، وإحياءٌ لأماكن معظمة فى المدينة المنورة، تجعل المشاهد يعيش مع الفيلم وكأنه داخل مدينة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يطوف للتعرف على منطقة البقيع التى تضم رفات العظماء أهل بيت الرسول وبناته وزوجاته وعماته (عدا السيدة خديجة والسيدة ميمونة)، ومدفن نحو 10 آلاف صحابى، ثم ينتقل الفيلم فى تصوير بديع لرؤية مسجد قباء الذى ورد فيه قرآنٌ يشهد له بالعظمة والخير، ثم جبل أُحد، وجبل الرماة، وقبر حمزة، وشهداء أحد، ومسجد القبلتين، ومسجد الجمعة، ومسجد الميقات، وغيرها، ترى كل هذا فى تصوير رائع، وصوت خاشع دقيق، لغةً وأداءً ونحواً وصرفاً، مع إيراد الأحاديث النبوية والآيات القرآنية التى وردت فى كل مكان.
لقد وقف فريق عمل الفيلم التوثيقى (والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون) ليقدموا صورةً تصويريةً تشويقيةً بارعة عن الأماكن التى نزلها وصلى فيها وجلس فيها النبى الأعظم، ومن هذه الأماكن انطلق الخير والفضل، وتجدد الولاءُ والمحبة له، وازدحم الجمع، وتنزلت الفيوضات، وزالت الشوائب، وتلك هى عظمة الإنسان الكامل، حين يكتب عنه الكاتبون، ولا غرو فقد منحه الله سلامة الفطرة، ونفاذ البصيرة، وفصل الخطاب، وخصه الله بمعرفة الشرائع، ومحاسن الأخلاق، ومحامد الآداب، مع جودة وسخاء، وعطاء بغير حدود، فصنع إنساناً متديناً تديّناً يصنع الحضارة، ويؤمن بالجمال والمساواة والعدل والنهضة والتقدم والسماحة، ويرفض العنف والتشدّد والخرافة والاستعلاء.
تحيةُ إجلالٍ وتقديرٍ للمبدع «مجدى إمام»، ولكل من شارك فى العمل، ويتبقى استدراك أمور منها: قلة الأماكن المعروض فيها الفيلم، مما يحرم الغالبية من مشاهدته، فلا بد من عرضه فى الصعيد والأقاليم، وفى المدارس والجامعات المختلفة، ولا بد من دعوة بعض المفكرين والعلماء والإعلاميين والفنانين والمتخصصين لمشاهدة هذا العمل، وإقامة صالونات ثقافية حوله، ومناقشات تبرز أهميتَه، وتقدم ما تراه من ملاحظات، وتطَّلعُ على المشروعِ جميعه من أوله إلى آخره، ونقترح تكوين فريق مهمته: (إدارة الدعوة والدعاية للمشروع والتسويق له) خدمة للمقام النبوى الشريف، وهو عمل يشرف كل واحد للقيام به متبرعاً.