من المؤكد أن التاريخ سيسجل للشعب المصرى وقوفه خلف القيادة السياسية ودعمه لها فى المرحلة الحالية لإعادة بناء الدولة، وفى أكثر من مناسبة أشاد الرئيس عبدالفتاح السيسى بقدرة المصريين على تحمل فاتورة الإصلاح الاقتصادى، وقالها الرئيس ذات مرة إنه يتباهى خلال لقاءاته مع رؤساء الدول وأمام العالم كله بتلك المساندة الشعبية لسياساته وقراراته غير المسبوقة.
وفى مواجهة حالة الوعى الشعبى بطبيعة المرحلة وصعوباتها، وجهود الرئيس لتجاوزها، توجد حالة أخرى أصابت كثيراً من المسئولين يمكن وصفها بالهرجلة -فى معاجم اللغة: هرجل الرجل فى أعماله أى أدّاها بشكل غير منظَّم، لم يسلك فيها مسلك النِّظام- ومن أبرز مظاهر الهرجلة ما نراه فى تسعير الخدمات الحكومية بطريقة لا منطقية وتؤكد أن المسئول صاحب القرار تنطبق عليه مقولة (حافظ مش فاهم)، ويطبق فكرة تحرير أسعار الخدمات بأسلوب التاجر الجشع.
من غير المعقول أن تتزايد أسعار الخدمات الحكومية بمتوالية هندسية لا تتفق وفق أى حسابات مع تكلفتها الفعلية، ولا يجب أن يذهب مواطن لجهة حكومية للحصول على بيان حالة مثلاً عبارة عن ورقة مختومة بخاتم النسر ويدفع مقابلها مائة جنيه، أو يدفع طالب الجامعة أكثر من ألف جنيه مقابل إبداء رغبة فى الالتحاق بشعبة أو أخرى داخل كليته، والأمثلة تتعدد بما يصعب حصره.
لابد من كبح جماح بعض الجهات فى علاج مشكلاتها فى كفاءة استخدام الموارد المالية على حساب المواطن.
يشير مفهوم التسعير بمعناه العلمى إلى سلسلة من الخطوات والاستراتيجيات الممنهجة التى تتبعها الشركات أو المؤسسات فى وضع قيمة مادية حقيقية للمنتج أو الخدمة التى تقدمها مقابل الفوائد التى يحصل عليها العملاء من استخدام هذا المنتج أو الخدمة.
ويمكن فهم الأمر ببساطة على أنه عملية مقايضة مبلغ مالى محدد مقابل فوائد أو خدمات يحصل عليها العميل وتسهم فى حل مشكلة ما يعانى منها. الإلمام الجيد بمفهوم التسعير له أهمية بالغة فى اختيار أسلوب التسعير المناسب لأى خدمة يتم تقديمها، لأن قيمة الخدمة تعتمد بشكل مباشر على درجة الفائدة أو أهمية المشكلة التى تحلها للعميل.
لا يجب الاستهانة بما قد تسببه هرجلة تسعير الخدمات من شرخ فى علاقة المواطن بأجهزة الدولة ومؤسساتها، ولابد من وقفة تعيد للمسار اعتداله، وتقطع الطريق على من يصيدون فى الماء العكر ويستهدفون زعزعة الاستقرار.
لماذا لا تضع الحكومة دليلاً لتسعير الخدمات الحكومية، يتم من خلاله وضع أسس وطرق احتساب الرسوم والأثمان المفروضة على الخدمات الحكومية، ويتضمن إطاراً تنظيمياً موحداً يفرض توازناً بين الأهداف المالية والاقتصادية والاجتماعية لمختلف الجهات الحكومية، على أن تأخذ الحكومة فى اعتبارها ثلاث نقاط رئيسية، تتمثل فى تحقيق كفاءة استخدام الموارد المالية، وتوفير الخدمات الحكومية الأساسية بسعر عادل، وضمان أن كلفة هذه الخدمات لا تؤثر سلباً فى فئات الدخل المختلفة للمواطنين، مع استمرارية الانتفاع بالخدمات الحكومية، من خلال تحقيق الاستدامة المالية.
كما يجب أن يشمل دليل التسعير عدة مبادئ أساسية، أهمها منع فرض أى رسوم بأعلى من تكلفتها الفعلية، على أن توازى هذه التكلفة المنفعة التى ينالها المستفيدون، مع ضمان جودة الخدمة وكفاءتها، وعدم تحميل المستفيدين من الخدمة أى أعباء مالية ترتبط بعدم كفاءة توزيع الموارد من قبل الجهة الحكومية، وإتاحة إمكانية فرض رسوم بأقل من تكلفتها الفعلية لأسباب اقتصادية أو اجتماعية، لضمان تنافسية الخدمات الحكومية، ووصولها إلى جميع فئات المجتمع.
يكفى مصر ما تواجهه من استهداف قوى الشر الخارجية لها، ولا ينقصها غباء البعض فى الداخل.. واللهم احمنى من أصدقائى أما أعدائى فأنا كفيل بهم.