دار حوار بينى وبين سائق تاكسى، منذ فترة، تطرقنا فيه إلى مناقشة أوضاع الطبقات الاجتماعية العليا، كان الرجل مشبعاً بأفكار معلَّبة من قبيل أن «كل الأغنياء لصوص» و«أى ثروة مصدرها الحرام»، وغيرها من الصور المشوهة.
من موقعى فى طبقتى الاجتماعية المتوسطة، أشاهد من حولى ينظرون إلى أعلى، حيث الأغنياء، بنظرات ذات دلالة. الكثيرون يتعاملون مع الشخص الغنى فى مصر باعتباره «حرامى»! وأصبح وراء كل ثروة علامة استفهام.. بينما الواقع أن الأغنياء ثلاثة أنواع: نوع جمع ثروته بالعرق والكفاح، وبالتالى فهذا حقه، وتجب تحيته واحترامه، ونوع اغتنى بضربة حظ فى مكسب بورصة أو ارتفاع مفاجئ لسعر أرض مثلاً، وهذا حظه، ومبروك عليه، ولا نملك التدخل فى أرزاق الله عز وجل. النوع الأخير هو من تحوم حوله شبهات التكسب والفساد، وهنا لا أملك أنا ولا أنت أن نفرض تصوراتنا ونصفه باللص إلا بحكم قانونى نهائى ونافذ، وإن عجز القانون عن إثبات أى شىء عليه، فهو ليس لصاً، أياً كانت قناعاتك، لأننا لسنا فى غابة.
فى العلاقة الثنائية الشائكة (دولة/غنى)، هناك ستة أمور تسهم فى رسم ملامح هذه العلاقة:
1- من الأفضل لأى دولة أن تتعامل مع أغنيائها من منطلق خلق وضع يربح فيه الجميع (Win Win Situation).. بمعنى أن تحقق الدولة منافع، ويحقق الأغنياء ربحاً.. غير ذلك يحدث خلل فى المنظومة لا بد من إصلاحه.
2- آخر ما يجب أن تفكر فيه الدول هو الاستفادة المادية من الأغنياء، لأنهم ببساطة ليسوا زكائب أموال، لكنهم صناديق مغلقة مملوءة بالأفكار المبدعة والخبرات العملية التى نتجت عن حياة عملية طويلة وثرية، ويمكنهم بالطبع إفادة دولهم بما هو أهم من محتويات جيوبهم.
3- عمدت الدراما طوال الوقت إلى تشويه صورة الأغنياء، وتصويرهم بمظهر اللصوص التافهين غير المستحقين لثرواتهم، فضلاً عن حملة التشويه التاريخية التى طالت «بشاوات» ما قبل الثورة، والذين لم يكونوا جميعهم الفنان «أحمد علام» فى فيلم «رد قلبى».. صورة ذهنية مشوهة لطبقة مهمة، لكن لا أحد يسعى لتغييرها.
4- لا يمكن إخفاء وجود حقد طبقى واضح على الأغنياء، وهو أمر عادى وطبيعى ويتعلق بالنفس الإنسانية، ولا يمكن منعه أو تجاهله إلا فى الجنة أو فى أفلام الخيال العلمى.
5- مهما بلغت وطنية رجل الأعمال، فهو ببساطة رجل أعمال، يهدف دائماً لتحقيق الأرباح لتأمين استمرارية مشاريعه. ومن لا يفعل ذلك فسوف «يخلص»، فالنهر مهما بلغ حجمه قد يجف فى لحظة إذا انسدت منابعه، وبالتالى فإن لم يجد رجل الأعمال ما يساعده على تحقيق أهدافه، فلن يترك نفسه ليتجفف، بل سيطير إلى مكان آخر لبناء عش جديد.
6- القطاع الخاص هادف للربح، وهذا هو العادى، والقطاع الخاص المصرى فى معظمه يختزل هذا الربح فى الشق المادى فحسب، ولا يكترث كثيراً لأية أرباح تتعلق بفائدة المجتمع، أو بالاستثمار فى تحسين صورته، بينما هذا الشق مهم ويتعلق باستدامة عمله هو نفسه.. ولكن من يهتم؟