قد يتميز المواطن/ المستهلك غيظاً، من مجرد تبرئة المنتجين من تهمة الجشع، لكنه قد يهدأ قليلاً حين نوصله إلى بر الأمان بوضع يده على السبب الحقيقى لموجة الغلاء التى طالت معظم السلع الاستهلاكية، خاصة الزراعية.
هذه المقدمة سببها الارتفاع الحاد فى أسعار الإنتاج الداجنى (بيض ودواجن)، حيث بلغ سعر طبق البيض للمستهلك نحو 60 جنيهاً، وحقق سعر كيلو لحم الدواجن 36 جنيهاً، فى سابقة لم تحدث فى مصر.
وتحديد المشكلة بمنأى عن أسبابها وآليات حلولها لا يُجدى أمام المستهلك المعنىّ الأول بالمشكلة، ولا بالمسئول الباحث عن حلول واقعية تضمن تحقيق العدالة بين المنتجين والمستهلكين، لأنه إذا مال تجاه المستهلكين لتهدئة الرأى العام لن يجد المنتجين فى مواقع الإنتاج، نتيجة الخسائر التى تودى بهم إلى السجون بفعل الديون.
وبسبب حالتنا الراهنة ارتفع مؤشر شكاوى المستهلكين مما وصفوه بـ«سُعار المنتجين»، وزادت حالات هروب منتجى الدواجن من دوائر التربية، بفعل ديونهم، إلى شركات إنتاج الكتاكيت، والأعلاف، والأدوية البيطرية، كما أن الأطراف الثلاثة المغذية للصناعة مدينة للبنوك، كون استثماراتهم معظمها قروض واجبة السداد بفوائدها التجارية، وهذه القروض ليست سوى مدخرات المصريين العاجزين عن الاستثمار مباشرة فى تجارة أو زراعة أو صناعة مشروعة.
ولأن منتجى الدواجن من الفئات التى تحظى بخزينة رسمية خاصة، عامرة بالأموال التى تجنبهم أهوال الحبس وظلام الهروب، تتمثل فى «حساب تعويضات الدواجن» لدى وزارة الزراعة، فقد نصف المربى دائماً بأنه مثل «الجَمل الذى لا يأكل من حِمله»، وذلك لأن الحساب الذى تضع وزارة الزراعة أيديها عليه بموجب لائحة إنشائه، يظل مكبَّلاً بلائحة يخشى معها الوزير فتح أبوابه، على الرغم من أن القانون يحميه شكلاً وموضوعاً، كما أن السحب منه لصالح الفئة المستحقة لأمواله يرفع الوزير إلى مصاف الراشدين العقلاء الرحماء، وهى صفات تدعمها دولة مثل مصر، يكدح رئيسها ونظامه من أجل حماية إنتاج الغذاء، نباتياً كان أم حيوانياً.
هذا الحساب وُجد أساساً لحماية أرباب هذه الصناعة حال وقوع الضرر عليهم، ولائحة تأسيسه تحمل الكثير من البنود التى توجب التدخل بأمواله مباشرة لتجنيب المربين، أصحاب الحق فيه، أهوال الخسائر، وذلك لضمان استمرارهم فى الإنتاج بالمعدلات المطلوبة لتحقيق الأمن الغذائى المجتمعى.
هذا الحساب يتم تمويل وعائه المالى من رسوم يدفعها أرباب هذه الصناعة، بنسبة 1% من أى صادرات تتعلق بمدخلات الإنتاج الداجنى (أعلاف، كتاكيت، إضافات أعلاف، أدوية بيطرية، تجهيزات عنابر، مفرخات، وغيرها)، ولائحة الصرف منها ليست قاصرة على البنود النظرية اللغوية المدونة فى قرار إنشائه ولائحته التنفيذية، بل تتيح للوزير المختص النظر بعين المسئولية وروح القوانين واللوائح فيما يخص الصرف من الأموال التى تراكمت فيه حتى كسرت حاجز المليار جنيه حالياً.
والسؤال هنا: ما الذى يمنع اقتطاع 50 مليون جنيه من هذا الحساب (وهى نسبة لا تُذكر من أمواله)، لاستخدامها فى موازنة أسعار الدواجن والبيض للمستهلك على مدار العام، حتى يمكن تعويض المربى صاحب الحق فيه، والممول الوحيد له، عن فرق السعر بين تكلفة الإنتاج وسعر البيع العادل للجمهور؟