حينما تجلس أمام القنوات الفضائية لن تستطيع ملاحقة البرامج الطبية والإعلانات عن الأدوية، وسوف ترهق معك الريموت كنترول حتى تجد قناة خالية من هذا الوباء الذى ابتُليت به مصر ويتزايد يومياً حتى أصبح خطراً يهدد صحة المواطنين. ما يحدث فى مجال الصحة وصفه صديقنا د. أسامة حمدى، أستاذ الباطنة الشهير بجامعة هارفارد الأمريكية، بأنه أشبه بالسيرك الطبى، ويقول: بحكم عملى لعقود فى مصر والعديد من دول العالم أرى أن المجال الطبى المصرى يحتاج وبشدة للضبط والربط والحزم قبل أن ينفرط تماماً. وهذه ملاحظاتى لأشياء لا تحدث طبياً إلا فى مصر مع حلولها:
١- صرف الأدوية بدون روشتة طبيب من الصيدلية مباشرة، ومنها أدوية فى منتهى الخطورة، والحل الروشتة الإلكترونية من الطبيب للصيدلية وسحب ترخيص الصيدلية التى تصرف الدواء بدون روشتة.
٢- كتابة تخصصات على اليفط لم يُنزل الله بها من سلطان، وهو خداع ونصب علنى، وعلى العلاج الحر إلزام الطبيب بمطابقة المؤهل العلمى مع يافطة العيادة، فلا يوجد مؤهل يسمى «زمالة جمعية» ولا «عضو جمعية» ولا «زميل جامعة» ولا غيره من أشكال الدجل والخداع.
٤- كل من هب ودب يعمل فى مجال التغذية وعلاج السمنة والتجميل بعد حضور كورس تافه لأسابيع، وهذا فى منتهى الخطورة.
٥- كل من هب ودب يفتح معملاً للتحاليل الطبية دون حصوله على تخصص الباثولوجيا الإكلينيكية، ومنهم خريجو العلوم والصيدلة. ويُستنزف المريض بتحاليل متعددة بدون داعٍ، وبعض هذه المعامل يتعامل للأسف، من تحت الترابيزة، مع بعض الأطباء بالعمولة، ولا توجد رقابة صارمة على دقة نتائج التحاليل، مما يؤدى إلى تشخيص خاطئ.
٦- يفتح الأطباء عياداتهم فى موعد عملهم الرسمى بالحكومة، وهو ما يعنى تهربهم لما هو أكثر ربحاً. فيجب أن يُخيَّر من يفعل ذلك بين عمله العام والخاص، مع معاقبة من يحيل مرضاه من العام للخاص تحت أى مسمى أو مبرر.
٧- الهرجلة فى أجور الكشف الخاص والمغالاة فيها. لذا يجب تحديد سعر الكشف الخاص حسب المؤهل العلمى، ويختار الطبيب تسعيرته ويلتزم بإعطاء إيصال للمريض.
٨- وجود العديد من «مستشفيات تحت السلم» غير مجهزة على الإطلاق للطوارئ. وليس بها سرير واحد للعناية المركزة، وتُجرى يومياً الآلاف من العمليات الجراحية والولادات القيصرية.
٩- عقوبة الخطأ الطبى والمسئولية عليه وجهة محاسبته ما زالت هلامية، فلا توجد سجلات طبية فى العيادات الخاصة، ولا ميكنة تكنولوجية للسجلات الطبية بمعظم المستشفيات.
١٠- الدعاية الطبية مدفوعة الأجر فى وسائل الإعلام فضيحة علنية ونصب واضح وتضليل لعامة الشعب بلا رابط لها ولا رادع، كيف تُركت هكذا لتستفحل إلى هذا الحد الممجوج. يجب فوراً منعها وفرض رقابة صارمة على التثقيف الصحى حتى لا نضلل شعبنا.
ختاماً.. استمرار هذا السيرك الطبى بهذه الصورة يسىء لهذا البلد العريق الذى كان يوماً مشهوراً بالكفاءة الطبية والانضباط، وكان قبلة الطب فى العالم العربى. يُحزننى أننا ما زلنا نناقش هذه الأمور بعد أن قطع العالم أشواطاً طويلة للأمام، بما فيه الدول المحيطة بنا، والتى كانت تحبو حولنا يوماً ما! فهل من فِعل؟