اقترب العام الثانى على نهايته وما زال ذلك الفيروس اللعين يواصل مهمته فى تعطيل الحياة وتدمير الأنظمة الصحية فى العالم كله.. لا علاج فعال لمواجهته حتى لحظة كتابة هذه السطور.. ولا قاعدة ثابتة واحدة يمكن الاستناد إليها فى التعامل مع حالات الإصابة..! الأمل الوحيد هو تلك اللقاحات التى خرجت للنور منذ أشهر قليلة.. كل أنواع اللقاحات، دون استثناء، لم تخرج للنور أى ورقة علمية تفيد بعدم فاعلية لقاح أو تفضيل لقاح على الآخر بشكل دال إحصائياً.. كل علماء العالم يؤكدون أن أى لقاح سيفى بالغرض، وهو تقليل حدة الإصابة، وبالتالى رفع الضغط على الأنظمة الصحية.. أكثر من ورقة علمية -خرجت للنور بالفعل- تناقش التنويع بين جرعات اللقاح للشخص الواحد..!
لم يعد اللقاح رفاهية بأى حال.. الأسئلة حول جدوى اللقاح أو مخاطره لم يعد لها مكان أو إجابة.. العالم كله تبنى مشروعاً لتوزيع اللقاحات بأسرع وسيلة ممكنة.. منظمة الصحة العالمية أعلنت منذ فترة عن استهداف ٤٠٪ من سكان كل دولة على الأقل قبل نهاية هذا العام.. على أن ترتفع النسبة إلى ٧٠٪ فى منتصف العام القادم..!
فى مصر تسير عملية التلقيح بشكل منتظم ولكنه روتينى للغاية.. روتينى للدرجة التى تجعل تحقيق أهداف منظمة الصحة العالمية ليس بالأمر اليسير.. بحسب تصريحات وزارة الصحة فقد تم تلقيح نحو ١٢ مليون مواطن حتى الآن.. نصفهم فقط هم من تلقوا جرعتى اللقاح.. الرقم قليل للغاية بالمقارنة بحجم الدولة المصرية.. بل وبالمقارنة بإمكانياتها وخبرتها فى توزيع اللقاحات..!
لم تعد هناك مشكلة فى توافر اللقاح.. فتصريح وزارى خرج على لسان السيدة وزيرة الصحة يفيد بإمكانية إنتاج خمسة عشر مليون جرعة شهرياً من لقاح سينوفاك على أرض مصر.. وهو رقم إذا أضفناه للكميات الأخرى التى تصل إلينا عن طريق مبادرة كوفاكس سنجد أنه كافٍ للغاية لتحقيق طفرة كبيرة فى عدد المواطنين الملقحين وفى زمن قياسى.. فأين المشكلة؟.. ولماذا لا يتم تسريع الأمر؟! تبدو أولى وأهم المشاكل هى العجز فى العنصر البشرى فى مراكز تلقى اللقاح نفسه.. لا يوجد عدد كافٍ من مقدمى الخدمة الطبية من أطباء أو صيادلة أو أطباء أسنان.. الأمر الذى يؤدى إلى زحام ملحوظ فى تلك المراكز.. المشكلة يمكن حلها بالتنسيق مع منظمات المجتمع المدنى والجمعيات الأهلية من خلال متطوعين يسهمون مباشرة فى تنظيم المواطنين فى أماكن الحصول على اللقاح والقيام بالجزء الإدارى الخاص بتسجيل البيانات.. كما يمكن الاستفادة منهم فى عمليات التوعية الخاصة بأهمية اللقاحات وتعليمات ما بعد تلقيه.. الفكرة سبق تنفيذها فى حملة القضاء على فيروس سى التى تمت منذ سنوات قليلة.. وكان دور فرق التطوع التنظيمى فعالاً للغاية.. فلماذا لا يتم تكرارها؟!
المشكلة الأخرى تكمن فى عدم وجود توزيع جغرافى متزن لمراكز تلقى اللقاح.. وتحديداً تلك المراكز التى تختص بتوزيع اللقاح بغرض السفر للخارج.. وهو أمر يمكن التغلب عليه بسهولة أيضاً إذا استفدنا من الخبرة المكتسبة لحملة القضاء على فيروس سى.. فقد استهدفت الحملة وجوداً جغرافياً موزعاً على جميع أنحاء الجمهورية عبر مراحل ثلاث.. وحققت انتشاراً كافياً وقتها كان قادراً على الوصول إلى جميع المواطنين.. فلماذا لم يتم الاعتماد على الخطة نفسها لتوزيع اللقاح؟!
لقد أصبح العالم فى سباق عصيب مع موجات الإصابة ليسيطر عليها.. والدولة المصرية تمتلك الكثير من الأسلحة التى تحتاج لاستخدامها فى هذا السباق المصيرى.. الذى أعتقد أنه أهم سباق تخوضه البشرية فى التاريخ الحديث.. أو هكذا أعتقد..!