استمعت إلى حديث للدكتور أسامة الأزهرى عن شيخ جليل يدعى محمد أحمد إبراهيم الشريف، وهو شيخ أئمة المسجد العمرى بمدينة قوص ١٨٨٩-١٩٧٧م، وكيف أنه عكف على تعليم أهالى قوص علوم الدين والشريعة، وكيف كان يتوجه إلى المسجد فى العاشرة صباحاً، ويظل به إلى انتهاء صلاة العشاء، ليرد على أسئلة الناس، ويفسر لهم آيات القرآن الكريم، كما كان يحدد يومين للدرس للرجال ويوم للسيدات، وظل على هذا المنوال حتى وافته المنية.
كما ذكر عدة أمثلة أخرى لأئمة أدركوا واجبهم فى التوعية وصلاح حال المسلمين. لكن السؤال الذى يطرح نفسه الآن: هل ما زال لدينا هذه النوعية من رجال الدين؟
الحقيقة أن أئمة المساجد فى مصر، مع كل الاحترام والتوقير لهم، يحتاجون إلى نظرة واعية تناسب العصر الذى نعيشه، ويحتاجون إلى بذل مزيد من الجهد للقيام بدورهم.
فمنذ حقبة السبعينات وحتى الآن نجد أن دور المسجد قد تراجع تراجعاً كبيراً، وأن الفكر المعتدل قد غاب عن الكثيرين، بل إن البعض قد تأثر بما شهدته تلك الفترة من شيوع أفكار متطرفة قادها مشايخ من أمثال عبدالحميد كشك وعمر عبدالرحمن، والمحلاوى فى الإسكندرية، وذاع صيتهم بسبب أدائهم المبالغ فيه والقائم على الصوت العالى، وعلى السب والتجاوز فى حق الكثيرين، فالشيخ كشك، على سبيل المثال -وهو بين يدى الله الآن- لم يترك أحداً إلا واغتابه؛ بدءاً من الرئيس السادات، رحمه الله، وزوجته الفاضلة السيدة جيهان، مروراً بالسيدة أم كلثوم، والأستاذ أنيس منصور، وغيرهم.
تأثر الكثيرون بهذه الطريقة البعيدة عن الدين الإسلامى، وانجذبوا لها، وتحول الكثير من المساجد إلى أماكن خطر على الشباب، ومصيدة لالتقاطهم وضمهم إلى الجماعات المتطرفة، وقد تناولت هذا الأمر الكثير من الدراسات، وأيضاً الأعمال الدرامية، وها نحن إلى الآن ما زلنا نعانى من آثار تلك المرحلة التى امتدت ظلالها إلى يومنا هذا، وما زلنا نحاول محو هذه الآثار، لكننا مع الأسف لم ننجح ولم نسلك طريقاً جاداً لحل هذه القضية الخطيرة.
أعتقد أن مؤسسة الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف لم تقوما بدورهما المأمول حتى الآن، نحن فى حاجة إلى أن ينتشر الأئمة والوعاظ المعتدلون فى كل ربوع مصر؛ قراها ونجوعها ومدنها، وأن يكون المسجد ملجأً لكل حائر، وسكينة لكل إنسان. وأن نوفر إماماً على الأقل لكل مسجد نضمن استنارته وعلمه واستيعابه للدور المهم الذى هو موكل به، لا أن ينحصر دوره فى خطبة الجمعة وإقامة الشعائر.
علينا أن نعيد للدين سماحته، وللإسلام وجهه المشرق، وأمثال الشيخ محمد أحمد الشريف، الذى يؤمن بدوره ورسالته، هذا هو ما نحتاجه، فدور المسجد، خاصة فى الريف والأقاليم، أخطر بكثير من وسائل الإعلام، وحتى أخطر من المدرسة والجامعة.