هل هناك أمل فى العودة لما كنا عليه؟ عندما سمعت هذا السؤال لأول مرة شعرت بالصدمة بعد ثورة مدنية سلمية عظيمة واجهنا فيها أقصى آليات القمع، لكن هذا السؤال أصبح يتردد بصورة شبه يومية وخاصة بين النساء، والسبب أننا خرجنا للثورة لنطالب بالديمقراطية وعلقنا آمالاً كبيرة دون تفكيك للمفهوم وتحديد ملامحه وأى الديمقراطية نريد. وهناك أكثر من طريقة لتفكيك المفهوم لا يتسع المقال لذكرها، لذا يكفى النظر إلى مفهومين؛ الأول: ديمقراطية متعلقة بالمبادئ العامة التى تحكم النظام الديمقراطى منطلقة من مفهوم العقد الاجتماعى، وبالتالى تحدد حقوق وحدود وصلاحيات أطراف هذا العقد، لا سيما الموقف من حقوق كافة المواطنين ومبدأ المساواة والتأكيد على إدماج للفئات المهمشة بدلاً إقصائها، ويصبح التركيز على إحداث تغيير حقيقى وتحقيق نتائج أهم من التركيز على الخطب الإنشائية، ويصبح اتخاذ تدابير قانونية ملزمة بشأن مشاركة الجميع، وخاصة المرأة، ركناً أساسياً من أركان الديمقراطية لا يقبل المساومة أو الإخلال تحت أى مبررات كالادعاء بثقافة المجتمع التى لا تسمح، أو الاختفاء وراء مبررات تنظيمية تؤدى إلى القضاء على الحقوق بدلاً من تنظيمها، وهنا تكون معالجة التشوهات الثقافية والاجتماعية الخاصة ببعض الفئات، وفى مقدمتها المرأة، أمراً ضرورياً.
الثانى: ديمقراطية تركز على البعد الإجرائى وحق الأغلبية ومن ثم هي معنية بترشيح أشخاص قد يتمتعون بالحشد على أسس قبلية أو لديهم من المال ما يكفى لشراء المنصب، وهنا يتم استبعاد الفئات المهمشة وفى مقدمتهم النساء دون النظر للأسس الحقوقية والديمقراطية، مما يؤدى حتماً إلى بقاء النظم والثقافات والقواعد بدون أى تغيير اللهم وضع «زيد» بدلاً من «عبيد»، كديكور ديمقراطى دون الشعور بأى تناقض.
وللأسف تعد التجربة المصرية قبل وبعد الثورة تجسيداً لتطبيق المفهوم الإجرائى؛ مما أدى إلى أحباط عام وخاصة بين النساء اللاتى كان لديهن فهم موضوعى للديمقراطية وأمل أن تنتج أوضاعاً أفضل من نظام مبارك، لا أن يكون تمثيل النساء (نصف المجتمع) أقرب للصفر فى البرلمان واللجنة التأسيسية لوضع دستور «لكل المجتمع»، وأن يتم التقليل من مواد المرأة فى دستور 1971 من أربعة مواد إلى مادة واحدة فى الدستور الجديد هى أسوأها على الإطلاق، المادة 36، ولا ينظر إلى ما ورد للنساء من حقوق فى دساتير العالم حتى الدول العربية والإسلامية، وكأن قدر المرأة المصرية أن تتحول من رائدة للنساء العربيات فى القرن الماضى لتُسحق بعد الثورة وتتراجع مكانتها وتتسول حقوقها، هنا قد نفهم حيرة الكثيرين وتساؤلاتهم سواء من النساء أو الرجال: لماذا قمنا بثورة إذن، لماذا نتحمل كل هذا العناء، ويضرب الأحباط واليأس الجميع، لا أمل، لا تغيير، لا ثقة فيما يقال أو يفعل حتى لو كانت النوايا صادقة، ما زالت الفرصة موجودة لتصحيح المسار، لأن الزيت والأرز قد يفيد فى الديمقراطية الإجرائية بعض الوقت لكن لا يفيد كل الوقت.