سعدت، منذ أيام، بلقاء السيد «بابلو أراريان»، سفير جمهورية تشيلى بالقاهرة. وكنت ضمن وفد من الزملاء فى تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين.
تبدأ علاقتى بدولة تشيلى من متابعة منتخبها المميز لكرة القدم. عبر سنوات طويلة حفظت أسماء لاعبين مثل: «إيفان زامورانو»، و«مارسيلو سالاس»، و«كلاوديو برافو»، و«أرتورو فيدال»، و«أليكسيس سانشيز». ولأننى من محبى وممارسى لعبة الشطرنج، فقد تابعت خلال الأعوام السابقة مباريات عدد من لاعبى تشيلى، مثل: اللاعبة «جيوفانا كاسترو»، التى حملت لقب أستاذة دولية، فازت ببطولة الشطرنج للسيدات فى تشيلى لثمانى مرات، وحققت المركز الأول فى أولمبياد الشطرنج للسيدات عام 2012. وكذلك «موريسيو ريوس»، صغير السن كبير الموهبة، الذى أصبح فى سن الخامسة والعشرين المصنف رقم واحد فى تشيلى (2531 نقطة فى يناير 2015، بحسب الاتحاد الدولى للشطرنج).
تشيلى هى بلد الشعراء، وتكفيها «جابرييلا ماسترال»، المرأة اللاتينية الوحيدة التى حصلت على جائزة نوبل فى الأدب، و«بابلو نيرودا»، أحد أعظم شعراء القرن العشرين، وهو واحد ممن شكلوا وجداننا فى مرحلة الشباب، وصاحب تأثير عميق للغاية علينا كمنتسبين للحركة اليسارية بشكل عام. مات «نيرودا» حزناً وكمداً على تشيلى، بعد أيام من استيلاء الديكتاتور «بينوشيه» على الحكم ومصرع الرئيس «سلفادور الليندى». لم يعش «نيرودا» إلى يومنا هذا ليرى تشيلى واحدة من الدول الأكثر استقراراً وازدهاراً فى أمريكا الجنوبية، ولها تصنيف متقدم فى ملفات مهمة مثل: الاقتصاد، والاستدامة، والتنمية البشرية، والقدرة التنافسية، ونصيب الفرد من الدخل. أتشرف بكونى أحد خريجى جامعة تشيلى، حيث حصلت منها العام الماضى على دبلومة الإدارة العامة. وكنت محظوظاً بالاطلاع على الثقافة التشيلانية العريقة. وكان لدى، العام الماضى، موعد مع السفير السيد «أراريان»، بدعوة كريمة منه بوصفى واحداً من خمسة مصريين حصلوا على الدبلومة المشار إليها، لكن لم أتمكن وقتها من الحضور، ولذلك حين التقيته هذه المرة قلت له «اللقا نصيب»، وحاولنا ترجمة هذا المثل الشعبى إلى الإنجليزية والإسبانية، وكان موقفاً طريفاً.
قدم وفد التنسيقية درع التنسيقية للسيد السفير، وكذلك مجموعة الأعمال الكاملة لأديب نوبل المصرى «نجيب محفوظ»، وهى المرة الأولى التى يُقدم فيها تكتل سياسى هدية ثقافية مثل تلك إلى سفير دولة أجنبية. سفير تشيلى نفسه أهدى، الشهر الماضى، عدداً من مؤلفات «جابرييلا ميسترال» إلى متحف نجيب محفوظ بالقاهرة، لتنضم أعمالها إلى كتابات أدباء نوبل فى الآداب بالمتحف. وقال السفير وقتها إنه أحب مصر بسبب «الأهرامات ونفرتيتى ونجيب محفوظ»، وأكد أن محفوظ يحتل مكانة كبيرة فى الثقافة التشيلانية، وأنه من الأدباء العالميين المعروفين فى تشيلى فى الأوساط الثقافية والشعبية.
بين مصر وتشيلى عدد محدود للغاية من اتفاقيات التبادل الثقافى والفنى والعلمى التى تعود إلى أربعين عاماً مضت، بما لا يعكس قوة البلدين وصلابة علاقتهما. نحتاج لمزيد من الجهد على الطريق الثقافى. وبشكل عام يرى السيد «بابلو أراريان» أن المستقبل المصرى مبهر (استخدم تعبير «Brighter Future»)، ذلك لأننا لا نرى حولنا طوال الوقت إلا البناء والعمران والتقدم. ولكنه يؤمن، مثل أى عاقل، أن التحدى الأكبر الذى يواجه الدولة المصرية الآن هو الزيادة السكانية المطردة التى تحتاج إلى وقفة منا جميعاً.