حادث الإسماعيلية البشع والهرولة نحو وصف الأول بـ«الاهتزاز العقلى»، حادث الإسكندرية الغريب وطعن رجل لسيدة تقول إنها لا تعرفه والقول إنه «مضطرب نفسياً»، حادث الإسكندرية الآخر حيث ثلاثة «رجال» فى الثلاثينات من العمر استدرجوا «طفلة» عمرها 14 عاماً واغتصبوها وعذبوها ولم يطعموها لمدة أسبوع حتى ماتت، تريلّا تعبر الطريق فى الاتجاه الآخر لتصطدم بميكروباص، فتُسفك دماء السائق ومساعده و16 راكباً على الطريق الدائرى الأوسطى.
القائمة طويلة ومستمرة، وما زال السذج بيننا يصفونها بأنها «غريبة على المجتمع» أو «حوادث فردية لا تعكس تحولاً جذرياً» أو «قضاء وقدر ولا يسعنا التدخل لإيقاف أيهما».
دعونا مبدئياً نسلم بأن كل تفصيلة من تفاصيل الحياة هى قضاء وقدر. لكن تحويلهما إلى شماعة حجرية أو مخدر أقوى من الإستروكس أو مسكن لوخز الضمير مرفوض قلباً وقالباً. وطالما يبقى بيننا من لا يزال متمتعاً بقدر من التعقل والتدبر والارتكان إلى العلم وشجاعة المواجهة والمكاشفة (وأظن أنهم كثيرون)، فإن اقتصار مثل هذه البشاعات على صفحات الحوادث لا يصح أن يطول.
بحثت طويلاً عن «المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية» فى الأيام القليلة الماضية. سنوات طويلة وأنا أستعين بدرر بحوثهم غير المسيّسة التى كانت زاداً وزواداً تبحث وتنقب وتصل إلى أسباب وعوامل وتشرح وتحلل لتقدم روشتات لمن يهمه أمر هذا الوطن وإصلاح اعوجاجاته. لكن هل خَفَت المركز وخَفَت نشاطه أم يُهيأ لى ذلك؟! بحثت عن موقعه الإلكترونى -وهذا بديهى فى عصر الرقمنة- ففوجئت بـ: «هذا الموقع تم تعليقه»! ربما يكون هناك موقع آخر لا أعرفه، لكن طالما عملية البحث استغرقت أكثر من خمس دقائق، فإن هذا يعنى فى عصر الرقمنة والتمكين المعلوماتى وجود مشكلة ما. صحيحٌ وجدت أخباراً عن الكلمة التى ألقتها الوزيرة المحترمة، وزيرة التضامن الاجتماعى، دكتورة نيفين القباج قبل نحو أسبوعين باعتبارها رئيس مجلس إدارة المركز كذلك فى مناسبة فعاليات مؤتمره السنوى الـ21، بالإضافة إلى تصريحات صحفية لعلماء المركز فى صحف هنا وهناك، لكنى فشلت فى الوصول إلى ثروات المركز البحثية.
رأيى المتواضع أن «المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية» بإمكاناته وقدراته البشرية العلمية الفائقة يجب أن يكون فى القلب من بناء الإنسان المصرى فى الـ«الجمهورية الثالثة».
نحن المواطنين نمصمص شفاهنا ونبكى على أطلال الأخلاق التى راح الكثير منها، والسلوكيات التى تدهور العديد منها، والقوانين المنظمة للعلاقات بيننا وبينها قوانين المرور التى ينتج عن عدم تطبيقها سفك الكثير من الدماء البريئة يومياً، لكن الجهات البحثية تبحث وتحلل وتقدم روشتات علاج وإنقاذ.
الجهات البحثية تفكك لنا لغز «الاهتزاز النفسى» المزمن، وتفنّد أسباب بشاعة الجرائم وإن كان الأستاذ محمد رمضان حقاً السبب فيها، أم فراغ الساحة متهم رئيسى.
الجهات البحثية تقف عند قول مواطن حاول منع المتهم فى جريمة فصل الرأس والتجول به بأنه حين عرف منه المتهم أن القتيل «اغتصب أمه وأخته» وفى أقوال أخرى «أخته وزوجته» لم يستطع التدخل وكأنه شيك على بياض لفصل الرءوس عن الأجساد حين ينتاب الرجال الشك فى النساء.
الجهات البحثية تشرح لنا «صرعة» تصوير البشاعات بكاميرات المحمول، وتحلل لنا أسباب انتشار تعاطى المخدرات وهل الجهود المبذولة لتطويقها كافية وذات كفاءة أم لا؟! الجهات البحثية تشرح لنا كيف ولماذا يقبل كثيرون على القيادة الجنونية.
ولو لم يحدث ذلك، فإننا مستمرون، وفى الهبد ماضون، وعلى الرزع باقون كمواطنين نكتفى بمصمصة الشفاه والتنظير الشعبى منزوع البحث بغرض البناء وتعديل المسار.