ورد ضمن مذكرات الدمرداش العقيلى، أحد قادة الجماعة المحظورة، أن سيد قطب كان يطلق على حسن البنا اسم «حسن الصباح»، زعيم حركة «الحشاشين»، الذى تنقل بين عدة مذاهب شيعية بداية من المذهب الجعفرى.. إذ كان قطب يكرر سؤال ابن شقيقته، أحد أبرز قادة الجماعة: «ماذا فعل بكم حسن الصباح وجماعته الحشاشون!». التاريخ والحاضر يعززان حقيقة أن تسمية قطب هى مرجع عملى لتطابق التنظيمين رغم الاختلاف المذهبى فى كثير من الأسس التنظيمية وأدوات الإدارة.. لعل أبرز الأمثلة مبدأ البيعة فى المنشط والمكره الذى يماثل أسلوب حسن الصباح فى السيطرة على أتباعه. لا يبدو الاختلاف كبيراً بين الأمس واليوم فى طبيعة العلاقة المتشابكة بين التيارات الراديكالية لكلا المذهبين، ولاية الفقيه وجماعة الإخوان التى خرج من رحمها قادة التنظيمات التكفيرية.
تلك الجماعات الإرهابية استدعت مواكبة الوصول غير الطبيعى للسلطة فى بعض الأماكن وكل محاولات تجميل الصورة عن تلك الراسخة سابقاً إلى الذاكرة القريبة المزاعم التى روجت لها الثورات التى قامت على أساس مذهبى محدد حول تبنيها مشروعاً وسطياً معتدلاً يتفق مع مصالح الغرب وأمريكا، بينما أظهر واقع الحال أنها كلما تمكنت من الحكم ساد التيار الأكثر تطرفاً حتى إن اتخذ إطاراً ديمقراطياً من انتخابات وبرلمان، يبقى القمع وإراقة الدماء هو دستورها الوحيد.
العلاقة المركبة بين تلك الجماعات تمثل مثلثاً للإرهاب، رغم كل الصراعات ظاهرياً، منحت عودة أحد أضلاعه للحكم قبلة حياة لباقى التنظيمات.
هامش الاختلاف البسيط يكمن فى أن نموذج الإسلام السياسى الشيعى أثبت قدرة أكبر على المناورة من نظيره السنى.
فى الإطار العام هى نفس سياسات جماعة الإخوان حين قفزت على الحكم فى مصر ومحاولاتها كسب التأييد العالمى الذى لم يصمد أمام قوة البعد الداخلى للشعب ودوره العظيم فى إسقاط حكم الإخوان خلال عام. حاول الإخوان اقتباس مهارات النموذج الشيعى وادعاء قبولهم فكرة التمثيل النيابى، واقعياً هذه «التمثيلية» كانت مشروطة بوجودهم فى الحكم وتطويع المجتمع لقبول أنماط أكثر تشدداً. المرحلة النيابية ما هى إلا إجراء انتقالى لتطبيق نموذج يماثل ما يحدث فى دول يرفع مرجعياتها لواء قيادة الدفاع عن المذهب الشيعى.. بل تعتبر أوامرهم وثيقة للحياة.
كل التيارات المتشددة من المذهبين تلتقى عند ضرورة تشكيل منظومات أمنية موازية -بل متفوقة- على المؤسسات الأمنية الوطنية.. إذ سرعان ما تتجه لمحاولة اختراق هذه المؤسسات وإنشاء ميليشيات تفرض قوانينها الخاصة التى تتفق مع هدف عمليات التنظيمات التكفيرية لإشعال الحروب الطائفية بين شعوب الدول التى تتمكن من اختراقها.. الدليل هو الأحداث التى يشهدها لبنان على الصعيد الأمنى والسياسى ومحاولات إغراقه فى أزمات نتيجة فرض طرف أجنداته الخارجية.
لا تختلف أزمات المشهد العراقى كثيراً بعدما بلغ إجرام ميليشيات منفلتة تتباهى بولائها لأجندات إقليمية استهداف رئيس الوزراء العراقى مصطفى الكاظمى للمرة الرابعة، وهو ما ثبت من العناصر المتهمة بتنفيذ الجريمة ونوعية الطائرات والصورايخ المستخدمة، بالإضافة إلى حجم تجاوز تصريحات قادتها التى جاءت صيغتها أقرب إلى مستوى رؤساء «عصابات» وليس قادة كتل سياسية كما يزعمون.
تحالف الشر بين تنظيم داعش وهذه الميليشيات فى العراق -رغم ادعاءات العداء ظاهرياً بينها- كشفته محاولات خلق أجواء فوضى قبل الانتخابات العراقية الشهر الماضى عبر عمليات تفجير نفذها داعش.. ليكتمل «السيناريو» بمحاولات الشغب التى أشعل فتيلها منذ أسبوعين كتل سياسية فاسدة أقصاها الشارع العراقى نتيجة ولائها لأجندات تهدف إلى بقاء العراق فى دوامة التبعية سياسياً، أمنياً، واقتصادياً.. الحقيقة يبقى قانون المذهبين واحداً رغم اختلاف الأسماء.. أما اغتصاب الحكم أو الفوضى والقتل فأوضح دليل على تطابق مصالح كلا طرفى العملة الشيطانية.