معظم العقارات المجاورة للجامعات المصرية تحولت إلى مراكز للدروس الخصوصية وبيع المذكرات الخارجية، وكل الطلاب، حتى كليات القمة الطب والهندسة والصيدلة، مروراً بالحقوق والآداب والتربية والتجارة، يأخذون دروساً خصوصية.
وكل الجامعات أصبح بجوارها جامعات موازية فى العقارات المجاورة، وبعض القائمين على السناتر أعضاء هيئة تدريس. وهى لا تعمل فى الظلام. بل تحت بصر وسمع المسئولين فى الجامعات والمحليات والشرطة.
الدروس الخصوصية فى الجامعات تؤكد أن هناك مشكلة حقيقية فى التعليم، فالطالب الذى تعود على الدروس وهو طفل لا يستغنى عنها فى الجامعة، وعدد الطلاب فى السنتر أكبر من الفصل المدرسى والمدرج الجامعى، ومع ذلك ينتظمون فيها ويدّعون أنهم يفهمون منها أكثر، فهل المشكلة فى الطالب أم المدرسة أم الجامعة أم المُعلم أم أولياء الأمور؟ الله أعلم، وسوف نظل نبحثها حتى يوم القيامة وربما لن نجد لها حلاً.
هدف التعليم الجامعى وقبل الجامعى هو بناء الإنسان ويكون قاطرة التنمية فى المجتمع، وأتمنى أن نكون أمناء مع بلدنا ونسأل أنفسنا هل مخرجات التعليم والبحث العلمى المصرى تتناسب مع حجم إنفاق الدولة عليه؟ وكذلك الأموال الطائلة التى ينفقها المواطنون من جيوبهم، ونحن دولة متفردة بالتعليم الحكومى والخاص والدولى والأهلى والدينى.
كنت تشرفت بزيارة جامعة هارفارد، التى تقود اقتصاد وسياسة دولة عظمى رغم أنها جامعة بحثية فى المقام الأول ولكنها تؤمن بأن البحث العلمى قاطرة التقدم الاقتصادى والاجتماعى، لذا حصل 161 من خريجيها على جائزة نوبل فى الابتكارات العلمية، وفيها 40 مليون كتاب! وكلية الطب تنتج سنوياً 22 ألف بحث علمى وآلاف براءات الاختراع التى تقوم عليها المصانع والشركات! ومن خريجيها 8 رؤساء لأمريكا، وعدد ضخم من رؤساء الجمهوريات والوزراء فى العالم، ومنهم المهندس عزيز صدقى، رائد الصناعة المصرية فى الستينات، الذى تولى وزارة الصناعة وعمره 36 عاماً، ليحول مصر إلى قلعة صناعية بها 700 مصنع فى فترة وجيزة. وأعضاء هيئة التدريس فى هارفارد 2400 فقط، منهم مصريون يمثل كل واحد منهم مرجعاً علمياً فى جميع فروع العلوم، وتتهافت عليهم دول العالم ليقدموا خبراتهم لتنمية اقتصادها. مع العلم بأنها نشأت أهلية بتبرع مؤسسها جون هارفارد بمبلغ 779 جنيهاً إسترلينياً عام 1639، وميزانيتها حالياً 42 مليار دولار.
ومؤخراً كان يزور مصر مسئول من جامعة فلوريدا الأمريكية يبحث إنشاء مركز عالمى بالقاهرة لشتلات الفراولة، حيث تنتج هذه الجامعة أفضل أصناف الفراولة فى العالم، وكنت قد قرأت عن إحدى الجامعات التركية التى قامت بتصنيع طائرة، وهكذا الجامعات فى العالم تقود الدول، وهذا ما نتمناه من جامعاتنا ومراكز أبحاثنا الكثيرة والمتعددة، لأن بحثاً علمياً واحداً ممكن أن يحقق دخلاً أكبر من قناة السويس أو يسهم فى حل مشكلات مستعصية، وهذا ما كان يتمناه الرئيس السيسى حينما طالب بالتوأمة مع أفضل الجامعات حتى لا يستمر تعليمنا هكذا لتخريج ملايين الطلاب بشهادات لا تسمن ولا تغنى من جوع، وبعضهم قد يجهل حتى القراءة والكتابة، كما أن الأبحاث النظرية من أجل الترقية فقط لم تعد مقبولة لأن هناك مشاكل كثيرة سوف تواجه مصر بسبب التضخم العالمى والتغيرات المناخية التى تؤثر على الأمن الغذائى، فيجب أن يكون لجامعاتنا دور فى ذلك ولا ننتظر أن تأتينا الحلول دائماً من الخارج كما حدث فى لقاحات كورونا وغيرها ونظل مستوردين للتكنولوجيا.
المواطن لا يعرف من الجامعات سوى العلاج فى مستشفياتها رغم أن هذه ليست مهمتها، مؤكد أن هناك جهوداً وإنجازات هنا وهناك ولكنها محدودة وفردية ولا ترتقى إطلاقاً لطموحاتنا والأموال التى تنفق عليها من الدولة وجيوب المواطنين.. والله الموفق والمستعان.