(قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ)، يخلق الله خلقاً يتنعَّم بما يفضُل من الجنة، أى أن الله يخلق خلقاً آخر، فما هو هذا الخلق الجديد؟ ذكر أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (يبقى من الجنة ما شاء الله أن يبقى، ثم ينشئ الله تعالى لها خلقاً مما يشاء)؟
حقيقة هذا الخلق هى من أمور الغيب التى لم يبينها الله لنا، ولذلك لم نجد من أهل العلم من تكلف البحث فيه، وحسبنا هذا أدباً أن نقف عند هذا الحد، ولتكن همتنا فى تعلُّم ما شرعه الله لنا، والجد فى الأخذ به، هذا الحديث متفق على صحته، عن أنس بن مالك، عن النبى صلى الله عليه وسلم، أنه قال: (لا تزال جهنم يلقى فيها وتقول: هل من مزيد؟ حتى يضع رب العزة فيها قدمه، فينزوى بعضها إلى بعض وتقول: قط قط، بعزتك وكرمك، ولا يزال فى الجنة فضل حتى ينشئ الله لها خلقاً، فيُسكنهم فضل الجنة). رواه البخارى ومسلم واللفظ له.
هناك سؤال دائماً يراودنى ويحيرنى وهو: ماذا سيحدث للعالم بعد يوم القيامة والحساب؟ هل سيخلق الله شعباً آخر ليعبده؟ خلق الله تعالى هذه الأكوان بالحق، لا عبثاً ولا لهواً، ونصب كل شىء من خلقه دلائل وحدانيته، وأمر الخلق بطاعته وعبادته وحده، وخلق الجنة والنار، فمن أطاعه من خلقه أدخله الجنة، ومن عصاه أدخله النار.
قال تعالى (وَهُوَ الَّذِى خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِى سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) (هود: 7)، وقال تعالى (الَّذِى خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) (الملك: 2)، وقال تعالى (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ) (سورة ص: 27)، قال السعدى رحمه الله: وإنما خلق الله السماوات والأرض بالحق وللحق، فخلقهما ليعلم العباد كمال علمه وقدرته وسعة سلطانه، وأنه تعالى وحده المعبود دون مَن لم يخلق مثقال ذرة من السماوات والأرض، وأن البعث حق، وسيفصل الله بين أهل الخير والشر، فإذا أذن الله بانقضاء أيام الدنيا، أفنى هذه الأكوان، بعد أن قامت بها الحجة البالغة لله تعالى على خلقه، ثم أقام الساعة، ونصب الميزان، ونشر دواوين الخلق، وأقام الشهود العدول، وأدخل أهل طاعته الجنة، وأدخل أهل معصيته النار، وروى البخارى ومسلم عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا صار أهل الجنة إلى الجنة، وأهل النار إلى النار، جىء بالموت حتى يُجعل بين الجنة والنار، ثم يُذبح، ثم ينادى مُنادٍ: يا أهل الجنة لا موت، ويا أهل النار لا موت، فيزداد أهل الجنة فرحاً إلى فرحهم، ويزداد أهل النار حزناً إلى حزنهم).
فتفنى الأكوان، وتُبدَّل الأرض غير الأرض والسماوات، ويُحق الله الحق بكلماته، ويحكم بين الخلائق بالقسط، ويسكن أهل الجنة الجنة وأهل النار النار، خالدين مخلدين، ثم يكون فى الجنة فضل، فينشئ الله خلقاً آخر فيُسكنهم فضل الجنة، كما فى حديث البخارى ومسلم: (لا تزال جهنم يلقى فيها....).
وليس بعد ذلك خلق يُخلق، أو عالم يوجد، للابتلاء، أو الحشر والحساب، والعاقل يعد لهذا اليوم عدته، ويعمل عمل أهل الجنة، عسى أن يكون من أهلها بفضل الله ورحمته، أما الانشغال الذى أورثه الحيرة، فمما لا وجه له، ولو أن هناك خلقاً آخر يخلقهم الله يرثون أهل الأرض بعد يوم القيامة، لأخبرنا الله بخبرهم ورسوله، فلا نقفو ما ليس لنا به علم، ونقف عند نصوص الشرع وما دلت عليه، والأولى أن ينشغل المرء بما خُلق لأجله، من طاعة الله وعبادته، ويسأل عن سبيل نجاته فى ذلك اليوم العصيب، والله تعالى أعلم.