دراسة شهيرة لباحثين فى ماساشوستس الأمريكية فى الثمانينات أظهرت علاقة قوية بين الذوق الموسيقى وسلوكيات الأفراد فى الشوارع.
سمّعوا عينة الدراسة 50 نمطاً موسيقياً، وطلبوا من كل واحد اختيار مقطوعة تعجبه.
فى النتائج، مال أصحاب القدر الكبير من الحساسية والتعاطف مع الآخرين للموسيقى «المقامية المتزنة». بينما مال أصحاب الشخصيات العشوائية.. الانتقامية.. الانفعالية للموسيقى الصاخبة.
وكانت قائمة المطربين المفضلين لشخص ما تكشف أكثر مما يعتقد البعض، والذوق العام يكشف أكثر التوقعات عما يمكن أن تكون عليه سلوكيات الشارع.
للآن لا يوجد تعريف محدد للذوق العام.. لكن أقرب وصف للذوق العام أنه «مجموعة من السلوكيات الجمعية التى تعكس ثقافة المجتمع وهويته».
أما الموضة فهى مجموعة من «الاتجاهات» تظهر فى المجتمعات بلا تعبير عن ثقافة ولا لغة ولا هوية.
التطورات فى الذوق العام غير تطورات الموضة. النزاع غالب فى المجتمعات ذات الحضارة القديمة بين الموضة وبين الذوق العام.
لذلك على سبيل المثال: رفضت أوروبا موسيقى الريجى والراب، بينما قبلتها المجتمعات الأمريكية بدعوى الانفتاح على كل الألوان.
لكل مجتمع نظرته للذوق.
يساوى الأمريكى بين الذوق وقوانين التجارة، لكن معايير الفرنسى فى الحكم على الذوق تكون قيمية، فالفضائل الاجتماعية لا تخضع عند الفرنسى لنظرية العرض والطلب.
هل المجتمع فى حاجة لحماية ذوقه العام؟
مؤكد.. خصوصاً مع وقوع الكثيرين فى فخ اعتبار الموضات دلالات على التغير فى الذوق أو التطور فى الأسلوب.
أغانى المهرجانات موضة.. وهى ليست معياراً لقيمة. وكثيراً ما لا تجد المجتمعات إلا اعتماد وسائل جبرية كدفاعٍ لو خالفت الموضة ثوابت القيمة أو لو تجرأت الظواهر والفرقعات على الهوية.
تلجأ المجتمعات أحياناً لطرق ضبط «جبرية» فى مواجهة أنماط سلوكية تتجاوز مفهوم الحرية الفرديّة للتعدى على الهوية الاجتماعية.
نقابة الموسيقيين جهة اختصاص فى المعركة مع مطربى المهرجانات إذ إن النقابات كيان اتحادى فوّض إليه المجتمع وضع قواعد تنظيمية وشروط لممارسة المهن.
لدى النقابات ما يُسمى بالشرعية الجمعية إقراراً لضوابط وترسيخاً لقواعد.. بمفهوم تخصصى ليس إلا.. وبتفويض اجتماعى ليس أكثر.
لاحظ أن النقابات مؤسسات فئوية ليست حكومية، تستمد شرعيتها من قبول المهنيين لممارستها القواعد.. وتنظيمها للوائح.
أغانى المهرجانات.. اتجاه ليس تطوراً. يعنى هى موضة وليست نسقاً فنياً. يعنى هى ظاهرة.. ليست قيمة.
أى اضطراب اجتماعى ذوقى بحجة الإبداع مرة، وبحجة الحرية مرات أخرى، لا بد أن يخضع لإحدى وسائل الضبط الاجتماعى. مؤسسات الضبط الاجتماعى هى حائط صد أخير لظواهر اقتحامية تسعى لفرض نفسها على الجميع بحجة الحرية!
لا تصح هنا جملة: «الجمهور هو اللى يحكم»، فالكلام ده مش سليم. فى معادلاتنا هذه.. هذا الكلام لا يصح.
فى مصلحة مين ده؟